التحرير
إبراهيم عيسى
لا أحد يطلب من جماعة الإخوان شيئا ليس منها، فكل المطلوب أن تلتزم بما ألزمت به نفسها منذ نشأتها وهو الاعتدال والانفتاح فى فهم وممارسة الدين، هذا ليس خروجا عن الفهم الصحيح للإسلام بل هو فى الحقيقة تمسك به، لا شك أننا نملك الإسلام المصرى وبالمعنى الدقيق الرؤية والممارسة المصرية للإسلام (ليكُن فى ذاكرتنا طول الوقت أن الإمام الشافعى خالف واختلف مع كثير مما كان قد قاله
وكتبه وأفتى به فى العراق حين حضر إلى مصر وحاضر مع علمائها، وهو أحد أدلتنا على أن مصر تملك رؤيتها المتمصرة للإسلام)، وهذا الفهم المصرى للإسلام واجه حربا شعواء وغزوا هائلا من الإسلام السعودى، أو -للدقة- من الفهم الوهابى للإسلام، وقد سيطر هذا الفهم الشكلى المنغلق المكفّراتى على قطاعات واسعة جدا من المصريين منذ السبعينيات، ويعيش أوج زهوه مع سنوات الكبت والقمع والفقر والجهل والإحباط والبطالة والفراغ وفيروس «سى» فى عصر مبارك حتى الآن، وقد أصاب كذلك جماعة الإخوان كممثل للإسلام المصرى فى أعلى صور محافظته وتقليديته، فإذا بالفهم الوهابى السلفى يأتى متزمتا ومتطرفا تبدو معه جماعة الإخوان -للمفارقة- آية فى الاستنارة، لكن هذه الجماعة تعرضت فعلا لضربات سلفية موجعة واختراق وهابى شديد الوطأة يرجع به الباحث الفذ الراحل حسام تمام فى دراسته عن «تسلف الإخوان» الصادرة عن مكتبة الإسكندرية إلى الوجود الإخوانى فى السعودية ذات نفسها فى الخمسينيات، هربا من جمال عبد الناصر الذى بدأ أيامها ضربته الموجعة للجماعة، وكانت السعودية بيئة مغلقة، ولم يكن هناك مجال لتفاعلات انفتاحية أو تعددية دينية، ناهيك بإمكانية لتعددية فكرية داخل مناخ سعودى شديد المحافظة. وهذا يفسر إلى حد ما لماذا راعى الإخوان حساسية الواقع السعودى ولم يسعوا إلى تأسيس فرع للإخوان السعوديين على غرار فروع الحركة فى الدول العربية الأخرى، وساروا بذلك على نهج موقف المرشد الأول حسن البنا فى عهد الملك عبد العزيز فى نفس المسألة، لكن هذه المرة على قاعدة المعايشة المباشرة للبيئة السياسية والاجتماعية السعودية. وقد أجبرهم ذلك -حسب رؤية حسام تمام- على التعايش مع السيطرة التامة للوهابية اعتناقا، بحيث تبنّوا كثيرا من أفكارها حين تسربت إليهم عجزا عن مواجهتها، أو تقيَّةً، حين كان بعض أفكار الإخوان يمثل مشكلة لهم إن أُعلنَ وإن تمسكوا به وإن تصارعوا فيه مع السعوديين، وهم الذين احتضنوا الإخوان فى منفى كانوا فيه مستعدين للسكوت عن أفكارهم بل والاستغناء عنها. وقد تسربت السلفية إلى الإخوان فى سياق سياسى واجتماعى دقيق داخل المملكة، فوجود النساء والأسر الإخوانية فى بيئة مغلقة نقل إليها تدريجيا المزاج السلفى بكل مظاهره، والحال فى مصر أيامها كان مؤهلا فى نهاية الخمسينيات كذلك لتسربات سلفية، بحيث بدأت أيضا موجة هادئة ونخبوية من تمدد الأطروحة السلفية على حساب تلك الخاصة بالإخوان.
ويبدو أن المد السلفى «الهادئ» امتد إلى الإخوان أنفسهم فى داخل السجون الناصرية، بحيث تسجل هذه الفترة بداية دخول عدد من الأدبيات السلفية فى مناهج الإخوان عبر المقررات التى كان يتم تدارسها فى هذه المعتقلات مثل «سُبُل السلام» و«المُغنِى» و«زاد المعاد» و«معارج القَبول» وغيرها، فكان أن دخل المنهجَ الإخوانى بدءا من نهاية الستينيات روافدُ سلفية واضحة.
وهكذا، ظهر السلفيون الكامنون والسلفية الكامنة، ثم تعاظم المكون السلفى ومظاهره، خصوصا فى مسألة الهدى الظاهر منذ السبعينيات، والهدى الظاهر هنا بمعنى الشكل والملبس واللحية والحجاب، وتلك المظاهر التى لم يكن الإخوان مهتمين بها أو غارقين فيها قبل تسلفهم، ولعلك تنتبه إلى أن سيد قطب شخصيا لم يكن ملتحيا مثلا وكبار الإخوان لم يكونوا ملتحين أصلا، كما أن لحية المرشد الأهم فى السبعينيات عمر التلمسانى كانت أقرب إلى لحية المجامَلة للسلفية، وقارن لحى الإخوان بما يقدمه لنا السلفيون من صور بدا لهم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم يطالبهم بمثل هذا المظهر الذى -للغرابة- يقترب تماما من مظهر القسيسين والحاخامات! المهم بدأت معارك جديدة ومتجددة حول مسائل النقاب واللحية والتشدد فى الملبس بشكل عام، كما يروى تمام، ويقول: «إن أربعة فقط من أصل خمسة عشر عضوا بمكتب الإرشاد غير ملتحين. ثم ظهر انتشار النقاب بين الأخوات والتأكيد عليه فى الأُسَر. كما ظهرت الالتباسات السلفية فى أزمات ملاحقة الكتب والأعمال الفنية ومسائل الرقابة».
المطلوب إذن بمناسبة تصويت الناخبين فى مصر للاعتدال فى مواجهة التطرف إذا تنافسا كلاهما أن يعود الإخوان إلى اعتدالهم وانفتاحهم فيكونوا مصريين أصليين لا مصريين تسعْوَدوا!
ويبدو أن المد السلفى «الهادئ» امتد إلى الإخوان أنفسهم فى داخل السجون الناصرية، بحيث تسجل هذه الفترة بداية دخول عدد من الأدبيات السلفية فى مناهج الإخوان عبر المقررات التى كان يتم تدارسها فى هذه المعتقلات مثل «سُبُل السلام» و«المُغنِى» و«زاد المعاد» و«معارج القَبول» وغيرها، فكان أن دخل المنهجَ الإخوانى بدءا من نهاية الستينيات روافدُ سلفية واضحة.
وهكذا، ظهر السلفيون الكامنون والسلفية الكامنة، ثم تعاظم المكون السلفى ومظاهره، خصوصا فى مسألة الهدى الظاهر منذ السبعينيات، والهدى الظاهر هنا بمعنى الشكل والملبس واللحية والحجاب، وتلك المظاهر التى لم يكن الإخوان مهتمين بها أو غارقين فيها قبل تسلفهم، ولعلك تنتبه إلى أن سيد قطب شخصيا لم يكن ملتحيا مثلا وكبار الإخوان لم يكونوا ملتحين أصلا، كما أن لحية المرشد الأهم فى السبعينيات عمر التلمسانى كانت أقرب إلى لحية المجامَلة للسلفية، وقارن لحى الإخوان بما يقدمه لنا السلفيون من صور بدا لهم أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم يطالبهم بمثل هذا المظهر الذى -للغرابة- يقترب تماما من مظهر القسيسين والحاخامات! المهم بدأت معارك جديدة ومتجددة حول مسائل النقاب واللحية والتشدد فى الملبس بشكل عام، كما يروى تمام، ويقول: «إن أربعة فقط من أصل خمسة عشر عضوا بمكتب الإرشاد غير ملتحين. ثم ظهر انتشار النقاب بين الأخوات والتأكيد عليه فى الأُسَر. كما ظهرت الالتباسات السلفية فى أزمات ملاحقة الكتب والأعمال الفنية ومسائل الرقابة».
المطلوب إذن بمناسبة تصويت الناخبين فى مصر للاعتدال فى مواجهة التطرف إذا تنافسا كلاهما أن يعود الإخوان إلى اعتدالهم وانفتاحهم فيكونوا مصريين أصليين لا مصريين تسعْوَدوا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق