الثلاثاء، نوفمبر 01، 2011

إبراهيم عيسى يكتب: مالوش كبير



إبراهيم عيسى


كى تدرك كيف يفكر جيل شباب الثورة المنتشر على الإنترنت والـ«تويتر» وصفحات الـ«فيسبوك»، كى تعرف كم هو ساخر ساخن حاد متمرد ومالوش كبير، خصوصا لو كان الكبير ظالما متكبرا، فتعال نرجع إلى بعض شعارات وهتافات الثمانية عشر يوما فى ميدان التحرير، لنصل معا إلى لماذا يبدو هكذا جريئا ومتجرئا على كل الضوابط (لا أقول الثوابت) وجارحا قادرا على خربشة التخين؟!

تأمل معى خفة الظل التى لم تكن فى حاجة إلى أن تجهد نفسك كى تتأملها، فهى تحضرك وتحضنك من اللحظة الأولى، فضلا عن أنها كذلك تعبر عن جيل شاب تهكمى، علمته رسائل المحمول الكثافة والاختصار والترميز والتشفير فى الكتابة، وتدرب فى حوارات الشات والإيميلات على التهكم والتريقة والضرب الخشن على مواجع الألم بسخرية لا تشعر بأى شفقة فيها من خفة ظل الشباب وعدوانيته كذلك.
■ «ارحل بقى.. إيدى وجعتنى».. (شاب يرفع لافتة مكتوبة بخط اليد، ولا توجد صورة فوتوغرافية التقطت لهذا الشاب، إلا وتجده ضاحكا مبتسما).
■ «أنا دكتور سنان.. وجاى أخلع مبارك».. (جرت مناظرات شفوية بين كثيرين حول هل كون مبارك الرئيس المخلوع أم الرئيس المتخلى، لكن خلع الضرس هو أكثر الآلام صعوبة، وهنا مبارك ضرس مريض ومتعب، وهو يتماشى مع روح شعار آخر : «خلع الضرس 25 جنيه.. خلع مبارك 25 يناير»).
■ «اللهم ارفع عنا الغلاء والبلاء.. وأبو علاء».. (المزج بين الدعاء الدينى الوقور، ثم قفشة خاطفة ضاربة للتناقض والمفارقة، فلا مشكلة فى الجمع -المصرى- بين الدعاء والفكاهة، ثم الإشارة هنا موحية إلى الرئيس بأنه أبو علاء، فهو يحكمنا بالعائلة والتوريث).
■ «ارحل بقى.. عايزة استحمى».. (شابة لا تجد مشكلة -محافظة- فى إعلان رغبتها فى الاستحمام، ولا تجد بأسا فى إعلان أنها فى حالة تستحق الاستحمام، لكنها لن تفعلها إلا برحيل مبارك، شىء ما شبيه بقسم أرامل الصعيد بلا عزاء -واستحمام- إلا بعد الثأر).
■ «ارحل بقى.. عايز أحلق».. (من فصيل الشعار السابق، لكنه يذكرنا بأن ميدان التحرير شهد وجود حلاق متطوع سمى نفسه حلاق الثورة، كان يحلق لهؤلاء المشعثين مجانا، وقد التقيت بعضهم قبل الحلاقة فى أيام وبعدها فى أيام أخرى، وكان مجالا للفخر بأنهم حلقوا فى الميدان وسيحلقون لمبارك).
■ «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب البقر».. (تحويل البيت الشعرى الأشهر فى العالم العربى إلى حلمنتشية مصرية ناطقة بالسخرية والطعن فى نظام كامل ودفعه إلى حظيرة التشبيه).
■ «ارحل بقى.. مراتى وحشتنى.. متزوج من 20 يوم فقط».. (على قدر خفة الظل على قدر تبيان التضحية لشاب ترك زوجته فى شهر العسل ليتظاهر ضد مبارك).
■ «الصعايدة بيجولولك: لع».. (اعتزاز بالصعيدية، لكنه كذلك إنذار بأن الصعايدة سيتصرفون فاحذرهم).
■ «جمعة الرحيل.. سبت الغضب.. أحد الزعل.. إثنين القهر.. ثلاثاء الطفش.. يخرب بيتك ارحل بقى».. (الملل من ملله).
■ «أونكل حسنى ممكن حضرتك تخلصنا بقى وترحل علشان بابا يغير الجزيرة ويفرجنى على كارتون.. توقيع: طفلة مصرية».. (نقل مباشر من تفاصيل البيوت المصرية إلى ميدان التحرير، رحيله مطلب كل أفراد الأسرة فقد تحول إلى مشكلة من يمسك ريموت كنترول التليفزيون).
■ «رسالة من تلميذ مصرى إلى أعزائى المتظاهرين فى ميدان التحرير: بخصوص الثورة اللى شغالة عندكم.. ماتنسوش أنها حتدخل فى مادة التاريخ وإحنا اللى بنحفظ.. فاختصروا من فضلكم».. (منتهى السخرية من مناهج التعليم، وطلب مذهل لسرعة التخلص من الديكتاتور).
■ لكن الشعار الأعلى سخرية والأقوى فى كشف التضليل هو «كنتاكى قافل يا غبى».. (معلومة صادقة وحقيقية فعلا تتصدى لكذبة، ثم ترفع وتطاول على الكاذب ووصفه بالغباء).
■ «عفوا يا ريس.. لقد نفد رصيدكم».. (استعارة من عالم الاتصالات، خصوصا أن المشتركين فى المحمول معظمهم بنظام الكروت الذى يفرغ شحنه).
■ «نبأ عاجل: مبارك يحاول إحراق نفسه أمام مجلس الشعب مطالبا بتغيير الشعب».. (استخدام تعبير نبأ عاجل دلالة على دور هائل للإعلام التليفزيونى فى تكوين الصورة يومها، ثم عملية الإحراق إيماءة إلى محاولات مواطنين إحراق أنفسهم فى نفس المكان قبيل الثورة بأيام من وحى الشاب بوعزيزى مفجر ثورة تونس، أما مطالبته بتغيير الشعب فهى نكتة مستمدة من نكتة قديمة عن الديكتاتور الذى عرف أن الشعب قادم لتوديعه، فقال ليه هو الشعب رايح فين؟).
■ «حتى لو طلقت سوزان.. مش هنرحل م الميدان».. (جاء الشعار بعد أن تخلى عن أحمد عز، ثم عن نجله ومنصبه فى الحزب الوطنى، أنت الهدف وحتى زوجتك لو طلقتها بالمرة لن نتنازل).
■ «المنوفية تعتذر للشعب المصرى».. (المنوفية المحافظة التى شهدت ميلاد الرجل تتبرأ منه، فى ما يشبه شعورها بالعار من انتمائه إليها، ورافع الشعار كان حريصا على تأكيد أنه من المنوفية).
أرجو أن ننتبه إلى أن هذا هو الجيل الذى تتعامل معه الحكومة والمجلس العسكرى، وهو لن يسكت، ولن يخاف ثم عندما يتكلم هو يقسو ولا يحترم ولا يتراجع، وهو ما يذكرك بالشعار الذى رفعه الشباب فى الميدان عن مبارك (هو عنيد.. لكن إحنا أعند منه)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق