الاثنين، يوليو 04، 2011

الحرية أهم من الفقراء إبراهيم عيسى


من قال إن الناس غضبت، فخرجت، فثارت، فأطاحت بنظام مبارك ونجله من أجل لقمة العيش؟


 
هذا كذب أو تكاذب يقودنا إلى أن نمشى بالطريقة الخاطئة في طريق الخطأ، لقد كان هناك شعار واحد انتقل من الضمير، للعقل، للحنجرة، أجمع عليه الملايين الذين خرجوا للثورة، وسمعه الملايين الذين جلسوا على الكنبة يشاهدون الثورة في التليفزيون، وهو شعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، أما الذى يثرثر بحماقة طيبة ومخلصة أن الناس خرجت، لأنها تريد لقمة العيش، ولأنها تعاني البطالة، فإنه يردد نفس كلام مبارك، ونجله، وصفوت الشريف، وكل غير الشرفاء الذين أرادوا أن يحولوا خروج الملايين ضد النظام إلى مجرد مقدمي التماسات لعلاوات، ووظائف وأجور، الشعارات التي ظهرت على استحياء في التحرير حول حد أدنى للأجور، رفعها على الحوائط وفي بعض تجمعات المظاهرات شباب يساري اشتراكي رائع، شارك في الثورة، وأحب أن يترك بصمته فوق جبين الحدث، لكننا على كثرة ما رأينا، وعشنا في مظاهرات الثورة، وظواهرها، لم نجد شابا يرفع لافتة من آلاف اللافتات المدهشة يقول فيها: عايز وظيفة، أو أنا عاطل.
الناس لم تخرج لأنها فقيرة، الناس خرجت لأنها شعرت بالذل، والمهانة، والإهانة من الاستبداد، والظلم، والتوريث.
لم تكن ثورة فقراء، ولا ثورة جياع، ولا هذه الفلسفة المسنة التي يرددها بعضنا هذه الأيام، زعما أن الناس لا تهتم بالانتخابات أولا، أو الدستور أولا، وأن المهم هو الفقراء أولا، ومن ثم علينا أن نعمل على رفع المستوى الاقتصادي للشعب، فهو المطلب الأهم، والأولوية الأولى، والمفزع أن هذا اللغو يتكرر كأن ثورة يناير انتهت في فبراير فعلا، وكأننا نعود لكلام حسني مبارك بحماس أكثر سخفا، وبإخلاص أكثر هبلا.
أولا، الثورة قامت من أجل الحرية، والحرية قبل أكل العيش، وقبل العيش نفسه، الكرامة، والكبرياء، وعزة النفس هي هدف حياتنا، ولا معنى لحد أدنى للأجور، أو أسعار منخفضة، بينما رؤوسنا منخفضة وأعناقنا منحنية، الشعب ثار من أجل الكرامة، لا من أجل الخبز، ومن يتصور أننا يجب أن نتوقف عن الكلام، والجدل، والسعي لدستور أو انتخابات، وأن نوجه جهدنا للفقراء، إنما يضرب الفقراء بفقر دكر، لن يزول عنهم أبدا، فلا عدالة اجتماعية، ولا أجور عادلة، ولا وظائف متاحة، ولا تأمين صحياً محترما، ولا سكن آدمياً دون ديمقراطية، ودون دستور، ودون انتخابات حرة!
الذى يزعم أن الناس لا تهتم بالدستور أولا، أو الانتخابات أولا، ويهمها فقط أكل العيش، لا أعرف شاف الناس فين وقالوا له هذا الكلام إمتى؟ ثم حتى لو قالوا، يجب أن نرد عليهم بما يوعيهم بأن الحرية هي مفتاح الحياة الاقتصادية والإنسانية الكريمة، لن تزول العشوائيات بعشوائييها ولن يختفى الفقر إلا عندما يملك الشعب قدرته على اختيار حكامه بحرية ونزاهة ومحاسبتهم ومراقبتهم وإزاحتهم عن الحكم حين يفشلون، ولهذا فالحرية أولا.
يا فرحتي إذا صدر قانون بحد أدنى للأجور أو تعيين مليون شاب بكرة الصبح أو تحويل حكر أبو دومة وبطن البقرة إلى منتجعات لسكانها، بينما لا نستطيع أن ننتخب حكامنا بحرية أو أن يضع الشعب دستورا معبرا عنا جميعا ومؤكدا على قيم العدل والمساواة والحرية.
نغمة كررها النظام الذى لم يسقط للأسف حتى الآن رغم احتجاز بعض رموزه في العناية المركزة والعنابر غير المركزة وهي أن الناس لا تهتم بالسياسة وكل همها أكل العيش وتربية عيالها فإذا بعيالها أنفسهم يرفضون أن يعامل النظام أهاليهم كالعبيد في مزرعة أو كالخراف في حظيرة ويثورون ضد النظام الذى خصى رجولة أجيال ظلت تعيش محنية الظهر للركوب، فإذا بنا الآن نشهد بعضنا يخرفون بمنتهى العقل ويقولون لنا: إن الاقتصاد أهم من السياسة وإن الاستقرار أهم من الجدل والخلاف بين التيارات وإن الناس غير مشغولة بالأحزاب أو الانتخابات أو الدستور، وإنما عايزة تاكل.
والحقيقة أن الناس كانت فعلا عايزة تاكل، لكنها اكتشفت أنها تأكل دائما على قفاها فرفعت رأسها فلا تحنوها مرة أخرى!
 التحرير:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق