· المشير طنطاوي رفض استقالة الجمل والعيسوي.. والسؤال: لماذا يحميهما المجلس العسكري؟
· الجمل ذهب للاستتابة في دار الإخوان.. فهل يذهب العيسوي لتقديم كفنه في دار البلطجة؟
أحد أعضاء المجلس العسكري قال ذات مرة : إنهم يديرون ولا يحكمون، بدا الكلام غريبا، وموحيا برغبة في التنصل من المسئولية، وظل السؤال حائرا، فمن يحكم مصر إذن؟ ومن هم أفراد عصابة اللهو الخفي؟!.
هل الذي يحكم فعلا هو الدكتور عصام شرف، وهو الرجل الذي أثق شخصيا في طيبته المفرطة، وفي أدبه وتهذيبه وتدينه الشخصي، وربما أثق فيما يقال عن امتيازه المهني، وكونه خبيرا يعتد به في بناء الطرق والجسور، وكل هذا معقول ومقبول، ويحسب لشخص عصام شرف، لكن اختياره رئيسا للوزراء كان خطأ مرعبا، فالرجل لا يتمتع بأي تكوين قيادي، ربما يصلح وزيرا فنيا، لكنه لا يفيد في مهمة سياسية، فضلا عن أن تكون مهمة سياسة في زمن ثورة كبري، وعلامات التردد القاتل تبدو ظاهرة في تصرفات الرجل، فهو يصدر القرارات ويلغيها بالحماس نفسه، ينشيء المجالس واللجان ويحلها في غمضة عين، وكأنه يشغل نفسه بالشخبطة علي ورق، ويضعف مكانة رئيس الوزراء، وينزل بالصفة إلي ما يشبه صفة مدير مكتب، ينتظر التعليمات وساعة الفرج.
وقد بدت صورة عصام شرف في حجمها الطبيعي، وهو يجرب لأول مرة أن يتخذ قرارا أساسيا، فقد استعاذ واستغفر الله وتوكل علي الباري، وقرر أن يقبل استقالة يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء، وبدا أن قصة الجمل المثيرة للريب قد انتهت، لكن ما جري كان شيئا آخر، فقد بقي يحيي الجمل في منصبه، وقال الجمل - فخورا- إن المشير طنطاوي رفض الاستقالة، جري كل ذلك علي الهواء، ولم يستبق أحد لعصام شرف شيئا من ماء الوجه، وبدا أن شرف يرحب بالرفض تماما كالقبول، وهو ما دفع الجمل لتصريح جارح غاية في قلة الذوق، قال فيه عن شرف إن الرجل «كله حنية»، وكأنه يصف منديل كلينكس لا سيادة رئيس الوزراء!!
ويحيي الجمل -بالتأكيد - رجل لا يدعو للثقة، وهو يناهز في عمره عمر المخلوع مبارك، وأساء لسمعة «المنايفة» كما مبارك بالضبط، وقد قال عن نفسه - قبل عامين - إنه لا يصلح لأي منصب، وقعد علي دكة الاحتياطي ينتظر لعبة الحظ، وأبدي معارضات لفظية هنا أو هناك، ودون أن يصل إلي حد القطيعة مع مبارك ونظامه، ودون أن يقطع شعرة معاوية، وفي لحظة الهول الثوري، لبس الرجل لبوس الحكماء، وظل جاهزا لاستقبال أي إشارة من أي أصبع، وقبل اختيار أحمد شفيق ـ صديق مبارك - له وزيرا، ثم ذهب أحمد شفيق بعد الثورة، ولم يذهب الجمل، وتحول إلي مفتي الديار السياسية، ولعب دور مشايخ السلطان، فتاوي الصباح تلغي في المساء، والآراء متقلبة كأحوال الطقس، بدا لوقت كأنه من أنصار «الدستور أولا» قبل الانتخابات، ومع رفض المشير طنطاوي لاستقالته، تحول الرجل إلي «يويو» من صناعة رديئة، ووصف المطالبين بأولوية الدستور بالخارجين عن القانون، والحمد لله أنه لم يكفرهم بعد، ويخرجهم من الملة، وإن كان من المحتمل أن يفعل، خاصة بعد زيارة الاستتابة التي قام بها لمكتب إرشاد جماعة الإخوان، وفرحه الطفولي بالصفح الذي ظفر به من فضيلة الشيخ محمد مرسي رئيس حزب الإخوان، وضحك الشيخ مرسي حتي بانت نواجذه كما يبدو في الصور، فهو مشغول عن قصة يحيي الجمل بحوار الإخوان مع الأمريكان!!.
عصام شرف ويحيي الجمل مثالان لعصابة الفشل التي تحكم مصر، وتدعي وصلا بليلي وبالثورة، الأول يقتله التردد وضعف الشخصية، والثاني أسير الولاء للكرسي، وأيا ما كان اسم الكرسي أو اسم صاحبه، وسواء كان السادات الذي عينه وزير دولة بعد انقلاب الجمل علي حزب التجمع المعارض بشدة وقتها، أو كان مبارك في أيامه الأخيرة، أوأحمد شفيق جنرال الصفقات السرية، أو كان المشير طنطاوي الذي عرفنا باستبقائه وحمايته للجمل، وأدركنا أن عصام شرف بلا حول ولا طول، وهو الرجل الذي قيل إنه اختار الوزراء، بينما لم يثبت - إلي الآن - أنه اختار وزيرا ولا خفيرا، وقد سألت عددا من جنرالات المجلس العسكري عن اختيارات الوزراء، قلت لهم : إن الاختيارات صادمة، وأغلبها علي طريقة إحلال الأسوأ، وأن استثناء وحيدا بدا خارج القاعدة السيئة، وهو اختيار الدكتور نبيل العربي وزيرا للخارجية، ثم ذهب الاختيار إلي البوار، فقد انتقل العربي لأمانة جامعة الدول العربية، فقدنا نبيل العربي بعد سوء اختيار مصطفي الفقي للمهمة، وكانت القصة كلها من علامات التخبط، فقد انتهي العربي إلي ثلاجة الجامعة العربية، وجاءوا إلي وزارة الخارجية المصرية بالسفير العرابي، وهو دبلوماسي أقرب إلي رجل مراسم، وتصريحه الأول عن «الدبلوماسية الناعمة» يشبه صورته الناعمة، فقد بدا أن أحدا ما لديه طاقة تصميم هائلة، ويريد أن يذهب بنا إلي فراغ سلطة، وعلي طريقة شغل المناصب الكبري بخيالات مآتة، فقد جري اختيار وزير جديد للخارجية علي طريقة اختيار وزير الداخلية، وقد أنكر جنرالات في المجلس العسكري أن يكونوا اختاروا اللواء منصور العيسوي وزيرا للداخلية، وهو رجل طيب، لا يهش ولا ينش، مشغول - وهذا حقه - بمتابعة أحواله الصحية المضطربة، فقد أتوا بالرجل من مخازن الاستيداع، كان قد ترك الخدمة قبل عقد ونصف العقد، أتوا بالرجل ليصنع فراغا لا لكي يملأ الفراغ، كان محمود وجدي الذي أتي به شفيق موضع شك، ولا يزال، في «موقعة الجمل» وفي غيرها، فيما لا يبدو العيسوي موضع شك في غياب قدرته، فالرجل لا يتآمر، ولايبدو قادرا علي دفع التآمر، وهو عجينة طيعة في يد جنرالات الداخلية الكبار الباقين، وقد توحش نفوذهم في عهد السفاح حبيب العادلي، وحولوا الجهاز الأمني إلي جيش بلطجة كامل الأوصاف، وتتكامل أدواره مع أدوار جيوش البلطجة غير الرسمية ضد الثورة، فيما ظل العيسوي كآخر من يعلم، وقد قيل إن العيسوي تقدم باستقالته غير مرة، وقيل إنه جري رفضها في كل مرة، ونرجو ألا يكون المشير طنطاوي هو الذي فعلها، وعلي طريقة رفض استقالة الجمل، وإذا كان الجمل قد ذهب للاستتابة في دار الإخوان، فهل المطلوب أن يذهب العيسوي لتقديم كفنه في دار البلطجة؟، ارحموا شيخوخة الرجل ياجنرالات، وارحموا البلد الذي ينتهك عرضه وتداس ثورته، فأنتم تعرفون العلة والمعلول، تعرفون أن الجهاز الأمني قد دمر تماما، وتحول إلي كوم لحم، وأن جنرالات الداخلية خصوم للثورة بمصالحهم الشخصية المباشرة، وتعرفون أن أمنا لن يستقر مع بقاء هؤلاء، وأن المطلوب : إحالة العيسوي لراحة يستحقها الرجل المنهك، وإحالة لواءات الداخلية جميعا للمعاش، واعادة بناء جهاز أمن احترافي بقادة شبان، واختيار وزير داخلية كفء قادر طموح، ولو من رتبة عقيد شرطة، وأنتم تعرفون الحقيقة يا جنرالات المجلس العسكري، وقد قلناها لكم، وقالها غيرنا، وما من مجيب ولا حسيب، وكأن المطلوب هو إثارة الفزع العام، وجعل مصر مزرعة للبلطجة، والتكفير بالثورة وأيامها، وزرع عصابة الفشل فوق الرؤوس، وجعلها تحكم الرقاب.
وقد فعل المجلس العسكري شيئا حسنا، ورفض المزيد من الاقتراض الخارجي، رفض إغراق البلد في مزيد من الديون، لكن ما بدا مدهشا هو بقاء وزراء الاقتراض الخارجي، والذين اتفقوا علي القروض والديون، فلا أحد يعلم ما هي الميزة الكبري للسيدة الغلبانة فايزة أبوالنجا عميدة وزراء عصام شرف، وهي سيدة الديون والقروض، وقد جري اختيارها وزيرة بنفوذ سوزان مبارك، وذهبت سوزان لتبقي فايزة، والأغرب من قصة فايزة قصة سمير رضوان وزير المالية، وهو رجل لا نعلم له فضلا ولا سيرة، سوي أنه كان من المستوزرين في معية جمال مبارك، وقد ذهب جمال مبارك ليبقي وزيره، تماما كما ذهب يوسف والي ليبقي وزيره أبوحديد، فمن الذي يختار الوزراء في مصر الآن بالضبط؟ هل تذهبون بالتهمة إلي عصام شرف، وهو رجل مظلوم، وإن كان يظلم نفسه أيضا، أم أن القصة فيها ما فيها، خاصة أن القصة نفسها سرت في اختيارات بقية الوزراء والمحافظين ورؤساء الجامعات وقيادات الإعلام الحكومي؟ هل هو التخبط؟، أم الجهل بالناس؟، أم هو الاختيار المحكوم بالأقدار؟، ومن ذا الذي يصنع أقدار مصر الآن؟ هل هو المشير طنطاوي؟، أم اجتماعات المجلس العسكري؟، أم استشارات السوء علي طريقة فتاوي يحيي الجمل
صوت الأمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق