الخميس، يوليو 07، 2011

إبراهيم عيسى يكتب : تلك الروائح

بانت أظن.. ومن لا يظن فلديه مشكلة.
المجلس العسكري، طبقا للخريطة التي أقرها وقدمها لنا عبر الإعلان الدستوري، سيستمر معنا (أو علينا) قرابة عام كامل قادم وربما يزيد، وما بدا منه في الفترة السابقة يؤكد حسن النية وسلامة القصد وزهد السلطة، لكن الفترة نفسها بمسلكها ومسالكها تؤكد أن هناك روائح للنظام السابق (كنت أتمنى أن أصفه بالنظام القديم، لكن جديدا لم يأت ليجعله قديما حتى الآن)، ما زالت موجودة وحاضرة، بل كثيفة ثقيلة في هواء صناعة القرار.
 
أولا: العناد، هناك قناعة تتحكم في الذهن، فتصر وتصمم وتصم أذنها عن أي شيء آخر يخالف أو يختلف. والعناد صفة كان يحبها الرئيس السابق جدا في نفسه، وهي السمة التي باتت سببا رئيسيا في أن ينتهي به الحال معزولا ومكروها ومخلوعا، والخوف على مصر يسمح بالقلق من أن ينتقل العناد من شخص إلى مؤسسة، ففي السياسة -عكس قرارات الحروب والمعارك وربما فيها كذلك- التمسك بالموقف والرأي يقود من الصلابة إلى التصلب، ومن الثبات إلى التجمد.
ثانيا: البطء، هناك بطء في اتخاذ القرار ثم في تنفيذه، والبطء يليق بالمراحل المستقرة، وقد يكون جائزا في فترات الهدوء السياسي والوطني، لكنه يصبح خطرا محدقا في المراحل الانتقالية، وكان الرئيس السابق ونظامه يتحركان مثل فيل في غابة معتز ومغتر بثقل وضخامة جسده وبجسامة جثمانه، فلا يشعر بالقلق من شيء حتى اكتشف فجأة أن الفهود قد سبقته، حتى السناجب قفزت فوق ظهره.. وفي معركة تحول مصر من الاستبداد للديمقراطية وترجمة مطالب الثورة إلى قوانين وقرارات، فإن سرعة الإيقاع المتوقعة جاءت بطئا مخلصا.
ثالثا: رائحة التدريجية، هذه رائحة تزكم الأنوف فعلا، فلا شيء يأتي عميقا يقلع من الجذور ويهدم كي يبنى، لا أن يرمم كي ينكس، فالدستور يتم تعديله لا تعطيله، ثم الإعلان الدستوري يأتي بعد استفتاء مفتت مشتت، ثم القوانين يتم تعديلها في فقرات ومواد، والحفاظ على قوامها وعمودها، والمحاكمات جنائية مالية تدور حول أخطاء متجاهلة التحقيق، والحكم في خطايا السياسة وجرائم الإفساد السياسي، الثورة تتحول إلى إصلاح ثم الأنكى إلى إصلاح تدريجي، فيه ما في التدريجية من بطء وتؤدة وتجزئة، وليس في ما في الثورة من سرعة وقطع وشمولية.
رابعا: العزلة والانفراد، الرئيس السابق، بطبيعة الحال، لا كان يسمع ولا ينصت ولا يعير الآخرين اهتماما، وكان يملي قراراته وقوانين من أعلى طابق في البرج الذي يعيش فيه، وعلى الرغم من الحوارات الصاخبة التي كانت تدور في البرلمان حول القوانين فيما يشبه الفلكلور، ففي النهاية كان الرئيس السابق ونجله وغرفته السوداء من يصنع القرار بعيدا عن أي صوت. صحيح أن المجلس العسكري يستمع وينصت، وأشهد أن أعضاء التقينا بهم كانوا على درجة رائعة من سعة الصدر واتساع الأفق وثقافة الحوار إلى حد أن لا يتردد المرء في الشعور بالفخر بهم، لكن هذا لا ينعكس على ماكينة تصنيع القرارات، فهي لاحقة للحوار، وليست سابقة عليه، ثم هي تأخذ من القوى السياسية ما تريد ويتماشى مع الموقف الذي تبغيه، ثم هي تصدر من أعلى بمرسوم قانون فعلا لا يظهر فيه مجلس وزراء ولا مستشارون ولا مشارون ولا جلسات الاستماع الطويلة الممتدة مع شخصيات وتيارات، وتتلقى الساحة السياسية القرارات والقوانين على طريقة نفذ واتظلم.
خامسا: ضيق الصدر من الإعلام واتهامه بالتهييج والتحريض والإحساس بأن هناك أغراضاً وأمراضاً وراء مواقف المعارضين، وتصديق وجود مؤامرات وأجندات، كان رجال مبارك، وعلى رأسهم أحمد عز، يكرر اتهاماته للبرامج المسائية وللصحف الخاصة، بأنها تنشر السلبية واليأس وقتامة الصورة، الآن شيء من هذا يتردد في دوائر إدارة البلاد، بينما المؤكد أن الإعلام يكتشف الواقع ولا يخترعه، يكشفه ولا يصنعه.
عموما أنا أتحدث عن روائح.
مجرد روائح يمكن أن تطردها في لحظة روائح الفل والياسمين إذا فتحنا الشبابيك!
| الدستور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق