الثلاثاء، مايو 17، 2011

عبدالحليم قنديل يكتب: حــانت لحظـة الحقيقة ياجنـــرالات







· إعادة بناء جهاز الأمن وتطهيره بالكامل هي المهمة الفورية.. وإعداد وإقرار الدستور الجديد له الأولوية

تصوير: محمد أسد

إما أننا في ثورة، أوأن الشعب المصري قدم كل هذه التضحيات، وبذل من دم أبنائه وبناته، لا لشيء، إلا لكي يستبدل زيد بعبيد، وينتهي إلي منطقة غبار كثيف، لاتبدو فيها الطرق سالكة، ولا نتقدم خطوة إلا لكي نتأخر عشر خطوات.

الشعور العام يسوده الاحباط والاكتئاب، والناس في قلق جامح، والثورة في خطر حقيقي، والثقة العامة بما يجري تتداعي، والقرارات غاية في الارتباك، تتخذ القرارات صباحا، وتلغي مساء،والمجلس العسكري مشغول بإصدار بيانات التطمين، وتأكيد إخلاص الجنرالات للثورة والشعب «!».

أصل القصة مفهوم، فقد بدت الثورة المصرية الأخيرة دراما هائلة، وبلا قيادة مطابقة، وهو ما جعلها تستعين بصديق، وتقترض قيادة جاهزة في صورة المجلس العسكري، وأملت ظروف اللحظة ثقة في محلها بقيادة الجيش، والتي شاركت في الثورة علي طريقتها، وحسمت مشاهدها الأخيرة، واتخذت قرارا بتنحية مبارك وطرد عائلته من القصر الرئاسي، وفي ظروف تعرضت فيها سلامة البلد للخطر، وباتت مهددة بغزو فعلي من الأمريكيين والإسرائيليين.

وقد أدي الجيش واجبه وآلت قيادة البلد سياسيا إلي قيادته، ولمرحلة انتقالية لم تتبين حدودها النهائية بعد، ولا مضمونها علي وجه اليقين، اللهم إلا في عبارة عامة عن التمهيد لحكم مدني ديمقراطي، ورغم أن اتفاقا عاما جري علي قبول قيادة المجلس العسكري، وعلي سيناريو مبهم في التفاصيل إلا أن الأمور لم تجر سراعا، كما ينبغي، وبدا أن الخطوات تائهة تتسارع حينا، وتتباطأ أحيانا، ولاتبدو نتائجها قاطعة ولا مؤكدة، لا في مهمة كنس النظام المخلوع، ولا في فتح الطرق لبناء نظام جديد، ويكاد المشهد كله يضيع في زحام حروب وحرائق صغيرة وكبيرة، وفي قصص عن جموح السلفيين، وعن مخاوف الأقباط، وتدخلات الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين، والشرطة الغائبة، وقرارات الإحالة لمحاكمات عسكرية، ثم العدول عنها بعد ساعات إلي إحالات لمحاكم مدنية، وعن مليونيات وأد الفتن بدلا عن مليونيات الثورة المغدورة، ومع فواصل عاطفية عن اكتئاب مبارك، وعن رجله التي دنت من القبر«!».

باختصار، تبدو إثارة الغبار، وتغيير الموضوعات، وتشتيت الاهتمامات، وإحلال الأولويات تبدو الاستبدالات جاهزة وبنتيجة لاتخفي، هي حرف الاهتمام بالثورة نفسها، وطمس السؤال عن المصائر، ولايبدو المتهم معروفا بالاسم، اللهم إلا في حديث غائم عن فلول شيطانية فالمجلس العسكري يحاول، ويصدر جنرالاته في عملهم عن نوايا وطنية خالصة، وإن لم تكن مطابقة لمعني الثورة كاملة الأوصاف، فالذي يراقب قرارات المجلس العسكري، ومنذ يوم خلع مبارك عن كرسي الرئاسة- الذي يراقب- قد يفهم ما يجري، كان لدي المجلس العسكري موقف ثابت ضد توريث الرئاسة لجمال مبارك، وهو ما يفسر خطوات وقرارات المجلس في أسابيعه الأولي، فقد بدت الخطة معلومة بتفاصيلها في شيء واحد لاغير، وهو تصفية جماعة جمال مبارك ربما دون الوريث نفسه، بينما جري التسامح مع جماعة مبارك الأب، ولم يجر الاقتراب من رجالها إلا في وقت لاحق،وبعد أن طفح الغضب في نفوس الناس، وعادت مليونيات الحسم والمحاكمة، تقدم جنرالات المجلس العسكري إلي مالم يكن في حسابهم الأصلي وصدرت قرارات الاعتقال والتحقيق بحق مبارك وعائلته وعصابته، وزادت ثقة الناس بالجنرالات، ثم عاد التباطؤ، المؤذي يلقي ظلاله، ويأخذ من حساب الثقة، ويشوش علي رؤية الأهداف الحقيقية لما جري ويجري، فقد سري القصور نفسه أو الفجوة بين رؤية الشارع ورؤية الجنرالات، سري التباين نفسه في خطط التقدم لبناء نظام جديد، لجأ المجلس العسكري في البدء إلي تعطيل مؤقت لدستور نظام مبارك، وليس إلي إلغائه بالجملة، كما تقضي أبسط أبجديات الثورات، ولجأ الجنرالات إلي جدول التعديلات نفسها التي طرحها مبارك في أيام ما قبل السقوط، وقرروا إقامة استفتاء علي التعديلات، ثم تبين لهم ما كان ظاهرا منذ البدء، وهو ضلال طريق الاستفتاء والذي لايترك مكانا لثورة، ولا حتي لوجود المجلس العسكري في مقعد القيادة الانتقالية، وجري إلغاء نتائج الاستفتاء عمليا، وعدنا إلي نقطة الصفر، ولكن بعد التورط في إعلان مواعيد لانتخابات متعجلة، وقبل صياغة دستور جديد هو حجر الأساس للنظام الجديد.

والمحصلة ظاهرة، فلانحن كنسنا النظام القديم برمته،ولانحن نتقدم بخطي مرسومة إلي نظام جديد، والسبب في المراوحة ظاهر، وهو الفجوة بين رؤيتين ومزاجين، رؤية المجلس العسكري ، والتي لا تتضمن انقلابا كاملا علي نظام مبارك، وفي مقابلها رؤية ومزاج الثورة بجماهيرها السائلة،وألف بائها هي التغيير الشامل، والحل ظاهر، وهو أن تتطابق رؤية الجنرالات مع مزاج الثورة، وأن تكون يد الشعب والجيش - بالفعل- يدا واحدة،وأن يبني العمل المشترك علي تحديد واضح لخصوم الثورة، وصحيح أن خطوات ذات مغزي جري اتخاذها،ومن نوع الشروع في محاكمات لا تستثني فاسدا، ثم التقدم إلي حبس سوزان «شجرة الضر» أخيراً، وحل حزب الرئيس المخلوع،ورفع اسمه وصوره، وإقالة محافظين، وتغيير وزراء، وتغيير قيادات إعلام، وإن كانت البدائل- في أغلبها- موصومة بالعوار ذاته، ثم أن قرارات مهمة كحل المجالس المحلية المزورة قد تأخرت، وتأخرت معها فريضة إعادة بناء وزارة الداخلية وتطهيرها بالكامل من جنرالات جماعة مبارك، وهو التباطؤ الذي يثير الارتباك، ولايسمح بتوجيه الضربة الواحدة القاضية،وينشر المخاوف، ويستثيردواعي الانقلاب،ويضيف إلي مشاعر افتقاد الأمن،واضطراب اللحظة، وزعزعة الرضا العام، فلم يقم المجلس العسكري - إلي الآن- بقتل الذئب، واكتفي بجرحه، وجعله أكثر شراسة، وإلي حد تبدو معه فرص الثورة في الاقتراب من أهدافها، وتحقيق الفوز النهائي، وإحراز النجاح الحاسم، تبدو فرص النصر النهائي، وكأنها مساوية تماما لفرص نجاح الانقلاب علي الثورة.

ولسنا في معرض تشكيك بأحد، ولافي موقف مزايدة علي وطنية الجيش وقيادته، فقد كان الجيش - علي الدوام-جزءا من حركة الوطنية المصرية المعادية للاستعمار والساعية للنهضة، وقد كان موقف الجيش المساند للثورة المصرية الأخيرة من البديهيات المستقرة، ومثل استطرادا لتقاليد راسخة في عمق التكوين الوطني،وهذه الشراكة تلزم الكل بالتناصح، وصديقك من صدقك، وأبسط دواعي الصدق تقول إن الثورة في أزمة، وأن فك الأزمة مشروط باتصال التفاهم، وفي الخطوات المكافئة لدم شهداء الشعب والجيش، وفي قتل نظام مبارك بالضربة القاضية وفي وقف الاستماع لوساوس مستشاري السوء، وبعضهم جري تعيينه- للأسف- في مناصب عليا بمجلس الوزراء، وهم من طينة مبارك نفسه، وإن بدا لوقت أنهم عارضوه، ثم سارعوا إلي معيته في أيامه الأخيرة، ودافعوا عن تفويضه لعمر سليمان، وأمثال هؤلاء يأخذون من حساب الثقة بتصرفات المجلس العسكري، ويوقعون الجنرالات في مزالق ومآزق، وبدعوي التصالح مع رجال العار، ثم لايخجلون، ويعرضون خدمات الترزية والاسكافية، ويشوهون كل قرار يصدر عن المجلس العسكري، تدخلوا في صياغة قانون الأحزاب فأثاروا النقمة، وتدخلوا في قانون مباشرة الحقوق السياسية فأثاروا الخلط، وصنعوا متاهة الخلط بين القوائم النسبية ونظام الانتخاب الفردي، ثم اثبات فنفي فإثبات لحق المصريين بالخارج في التصويت، ثم ارتباك إلي مالا نهاية في الحديث عن الدستور الجديد، وهل يسبق الانتخابات أم يلحقها؟ ثم توريط المجلس العسكري في إصدار قوانين دون حوار عام، وهذا كله مما يصح أن يتوقف، فمصير الثورة في خطر، والبلد لايحتمل مزيدا من الاخطاء، والحق أحق أن يتبع، وحتي لو خالف تصورات سابقة جري تزيينها للمجلس العسكري، وواجب الوقت ظاهر بلا التباس، إعادة بناء جهاز الأمن وتطهيره بالكامل هي المهمة الفورية، وإعداد وإقرار الدستور الجديد له الأولوية، والطريق معروف، تشكيل جمعية تأسيسية يستفتي عليها، وإصدار الدستور ثم إجراء انتخابات برلمان بنظام القوائم النسبية غير المشروطة، ثم إجراء انتخابات الرئاسة، ثم وضع النقطة المدنية في آخر السطر العسكري.

نعم، حانت لحظة الحقيقة ياجنرالات، فالثورة مهددة بالانقلاب عليها، ولا بديل- والآن- عن قتل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق