تحليل : محمد جمال عرفة
لم يكن الاستطلاع الذي أجراه المجلس الأعلي للقوات المسلحة بين المصريين علي صفحته علي فيس بوك من 19 يونيه الجاري حتي 19 يوليه المقبل ،
لمعرفة اي المرشحين للرئاسة أكثر قبولا لدي المصريين ، بمثابة تقليد جديد ، إذ سبق إجراء نفس هذا الاستفتاء ،ولكن بشكل محدود ، بين شباب الثورة عندما ألتقي اعضاء من المجلس العسكري مع عدد من ائتلافات الثورة في الأول من يونيه الجاري ، وكان أحد الأوراق التي وزعت علي الحاضرين حينئذ هي ورقة استطلاع راي عن مرشحي الرئاسة .
ولكن تعميم المجلس العسكري هذا الاستفتاء علي غالبية المصريين علي شبكة الأنترنت والفيس بوك تحديدا – لأنه مطلوب معرفة بيانات من يصوت علي فيس بوك كي لا يتكرر تصويته مرة اخري – يثير تساؤلات حول (أولا) : الهدف من هذا الاستفتاء ؟ و(ثانيا) : دلالات الاستفتاء نفسه حتي الأن ؟ ، و(ثالثا) : تاثير هذا علي الاستفتاء الشعبي الحقيقي المقبل في نهاية العام الجاري ؟ .
بداية يجب الاتفاق علي ان استفتاءات الانترنت ، والفيس بوك تحديدا ، لا تعبر بدقة عن واقع الشارع المصري وغالبية الشعب المصري ، ولا يمكن أن تعبر نتيجة استفتاء الانترنت عن رأي المواطن المصري العادي لعدة أسباب ابرزها : 1- أن جماهير الشارع المصري ليست كلها مشتركة في الانترنت أو الفيس بوك ولا يعبر عنها الفيس بوك ، ولهذا قيل أن التعبير الصحيح عن ثورة 25 يناير أن شباب الفيس بوك دعوا لها واطلقوا شرارتها الأولي ، ثم قام بها (كل أصحاب المظالم) وألوان الطيف من أبناء الشعب المصري .
2- أن عدد مستخدمي الانترنت في مصر قبل 25 يناير كان يبلغ 21.2 مليون شخص وصلوا الى 23.1 مليون بعد هذا التاريخ بزيادة نسبتها 8.9 بالمئة أو ما يعادل 1.9 مليون مستخدم ، بحسب تقرير أعدته شركة (تكنو وايرلس) المصرية المتخصصة في التسويق الالكتروني وشبكات الهاتف المحمول ، أما تعداد المصريين الحقيقي فيزيد علي 80 مليون نسمة ، أي أن مشتركي فيس بوك (وعلي فرض أنهم جميعا سيشاركون في استفتاء الرئاسة وهو إفتراض غير دقيق بالطبع) لا يمثلون سوي 29% من المصريين .
3- أن نتائج الاستفتاء تتأثر بالأحداث التي تجري وخصوصا اللقاءت التلفزيونية التي تجري مع المرشحين ، والملاحظة الملفتة هنا أن هذا الاستفتاء بدأ في اليوم التالي مباشرة للقاء عمرو خالد في برنامجه علي القناة الثانية (بكره أحلي) مع الدكتور محمد البرادعي ، ولهذا جاءت النتيجة الأولية لتصويت قرابة 20 الف من المصريين بتفوق البرادعي بنسبة 40% من الأصوات مقابل 18% للدكتور سليم العوا ، ثم تناقص التصويت للبرادعي الي 37% لاحقا ثم 36% مع تزايد دخول المصريين للتصويت لمرشحين أخرين .
لماذا هذا الاستفتاء ؟
ولا يمكن أن يتم إستفتاء كهذا علي صفحة المجلس العسكري دون أن نتساءل : لماذا هذا الاستفتاء الأن ؟ وما هي أهداف المجلس العسكري من وراء إجراءه ، خصوصا أنه الاستفتاء الثاني علي موقع المجلس علي فيس بوك ، حيث كان الاستفتاء الأول حول إلغاء حظر التجول ، وبرغم تصويت غالبية المصوتين لصالح عدم رفع حظر التجول إلا قبل استتباب الأمن فلم يلتزم المجلس العسكري بنتائج هذا الاستفتاء ورفع حالة حظر التجول (!)، وكان المبرر الأقوي لذلك هو السعي لتنشيط السياحة ، ويبدو أن إجراء هذا الاستفتاء له أبعاد متعددة ، ربما يكون من بينها :
1- رغبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة في معرفة هوية الرئيس المقبل الذي قد يختاره المصريون لأسباب سياسية واستراتيجية تتعلق مثلا بتأثير هذا الاختيار مستقبلا علي طبيعة النظام في مصر والعلاقات مع دول العالم ، فقد يكون هناك قلق ، من جانب المجلس العسكري ، من أن يثير إختيار رئيس مصر المقبل ، مشكلات تعرض استقرار مصر للخطر لو كانت سياساته راديكالية ، أو تدفع لحصار دولي لمصر لو جاء اسلاميا متشددا مثلا للحكم ، أو رافض لاتفاق السلام مع اسرائيل وساع لإلغاءها ، أو مهيج للفتنة الطائفية ، أو رئيس علماني يصادم توجهات المصريين الدينية الجياشة ، وهل يعني هذا الاختيار للرئيس المقبل أن الجيش ينوي التدخل بشكل ما ليكون له دورا مستقبليا في منع اي شطط ، أم ماذا ؟ أو تغيير استراتيجيته فيما يخص المستقبل في مصر أم لا ؟ .. فهناك من الكتاب المصريين ، من طالب مثلا بوضع مواد في الدستور المقبل تجعل للمجلس العسكري مستقبلا سلطات تسمح له بالتدخل لحماية الدولة أو مدنيتها علي غرار الحالة التركية القديمة ، وبالتالي التدخل في الحياة السياسية بمواد توضع في الدستور الجديد تعطي الجيش هذا الحق في التدخل ، وتجعله مستقلا عن رئيس الدولة ، وقد ألمح عادل حموده رئيس تحري الفجر لهذا ضمنا في مقاله الاخير بجريدة (الفجر) تحت عنوان «سيناريو الحكم العسكري القادم لمصر»، قدم فيه عرضا لنموذج تدخل الجيش في الحياة السياسية في تركيا، وطرح حمودة تصوره لسيناريو للحكم في مصر «يجمع بين سلطة عسكرية تتوارى وتراقب.. وسلطة تشريعية تنتخب وتشكل الحكومة.. وسلطة رئاسية تنحصر وتنكمش .
2- أيضا قد يكون من أهداف المجلس العسكري من وراء هذا الاستفتاء ، تهيئة الساحة السياسية المصرية لتقبل الرئيس المقبل وعدم الصدمة من الاختيار المتوقع للجماهير ، خصوصا ان استفتاء تعديل الدستور أصاب كثيرين بصدمة ، بعدما أعتبر بعضهم أن نسبة الـ 77% تعبر عن حجم التيارات الاسلامية ومن ثم اتجاهها للسيطرة علي الحكم مستقبلا ، أي أن الهدف هنا أمني ، بالدرجة الأولي لعدم وقوع اي احتجاجات علي الرئيس المقبل وتقبل نتائج التصويت وانتخابات الرئاسة كما هي بدون أن يحدث هذا صدمة ومفاجأة لا للداخل المصري أو لدول الجوار أو حتي للغرب ، خاصة أن المؤشرات تشير لاحتمالات تقدم مرشح إسلامي التوجه في انتخابات الرئاسة المقبلة مثل الدكتور محمد سليم العوا أو عبد المنعم ابو الفتوح أو المرشح الاسلامي المغمور المحسوب علي التيار السلفي والاخوان معا حازم صلاح ابو اسماعيل الذي كان مفاجأة الاستفتاء العسكري وتقدم فيه علي عمرو موسي وحمدين صباحي والبسطويسي وايمن نور وغيرهم ، وبالمثل ينطبق نفس الأمر علي المعارضين للبرادعي لو جاء رئيسا ، بحيث يتقبلوا فوزه بهدوء .
3- وقد يكون من هذه الأهداف أيضا أن يتم إرسال رسالة للراي العام المصري بتقبل اي نتيجة لانتخابات الرئاسة المقبلة وعدم معارضتها كما فعل البعض عقب استفتاء تعديل الدستور ، بما فيها فوز أحد أنصار النظام السابق ، خصوصا أن من مفاجأت الاستفتاء فوز اللواء أحمد شفيق أخر رئيس وزراء عينه الرئيس السابق مبارك بنسبة 12% من الأصوات ، بل وفوز اللواء عمر سليمان نائب مبارك السابق بنسبة 5% من الأصوات ، وهما من رموز النظام السابق ، وكذا تقدم الدكتور كمال الجنزوري وهو من النظام السابق ايضا بنسبة 3% علي مرشحين معارضين مخضرمين مثل صباحي والبسطويسي وايمن نور وغيرهم !.
4- وقد يكون من أهداف المجلس العسكري أيضا من وراء هذا الاستفتاء أن يعلم كل مرشح حجم قوته الحقيقي فلا يستمر في المنافسة ، وينسحب مبكرا بحيث تكون المنافسة بين عدد أقل من العدد الحالي الذي وصل الي 15 مرشحا ، بما يجعل الساحة الانتخابية اقل صخبا واقل تفككا ويسهم في حسم الانتخابات من جولتها الاولي بدون حاجة للإعادة .
دلالات نتائج الاستفتاء
1- لا شك أن تقدم الدكتور محمد البرادعي (36%) يليه الدكتور سليم العو (19%) ، وتقهقر أسماء كان يتوقع المصريون أن تحظي بإختيار نسبة كبيرة منهم مثل عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية (6%) والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (الذي فصلته جماعة الاخوان قبل الاستفتاء بساعات) والذي فاز بـ 3% فقط ، أو حمدين صباحي (2%) أو هشام البسطويسي (2%) شكل مفاجأة كبيرة لكثيرين، صحيح أن أسماء مثل البرادعي والعوا كان متوقعا أن تفوز بالنسب الأعلي ، ولكن المفاجأة جاءت في تقهقر أسماء كبيرة مثل عمرو موسي وحصولها علي نتائج متدنية (اللواء أحمد شفيق تقدم علي عمرو موسي !!).
2- المفاجأة الأخري الأكبر هي فوز ممثلي النظام السابق بنسب كبيرة ، وهي نسب قد تكون معبرة عن تأييد حقيقي لهم أو ما يمكن تسميته (التصويت الاحتجاجي) ، بمعني تصويت البعض لهذه الرموز القديمة يأسا من حالة الفوضي الأمنية والتخبط وعدم جني الثورة المكاسب العاجلة التي تصورها كثيرون ، وهذا النوع من التصويت قيل أنه حدث في انتخابات برلمان 2005 لصالح الاخوان نكاية في فساد وتزوير الحزب الوطني الحاكم حينئذ ، وضعف باقي الأحزاب ، حيث صوت 12% من العينة لصالح أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس السابق حسني مبارك ، وصوت 5% لصالح عمر سليمان نائب الرئيس السابق ، والدكتور كمال الجنزوري بنسبة 3% ، ولم يستثن من هذا سوي المرشح توفيق عكاشه عضو الحزب الوطني المنحل وصاحب قناة الفراعين التي تهاجم الاسلاميين بضراوة ، والذي حصل علي 4 أصوات فقط ارتفعت الي 50 صوت بنسبة صفر% .
3- أكثر الخاسرين في هذا الاستفتاء ،بحسب أخر النتائج حتي لحظة كتابة هذا التحليل ،هما : عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية الذي رشحه كثيرون لرئاسة مصر وتصرف هو بناء علي هذا ، وجاءت خسارته (الكترونيا) برغم المحاولات الغربية لتلميع صورته واستضافته – دون غيره – في قمة الثماني الصناعية الأخيرة بفرنسا ليلتقي كافة رؤساء الدول بما فيهم اوباما ، حيث حصد 7% فقط حتي الأن ، وكذا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (3%) الذي من الواضح أن الضربتين اللتان وجهتا له في الساعات الاخيرة قبل الاستفتاء كان لهما دورا في تراجعه ، وهما : فصله من مكتب ارشاد جماعة الاخوان المسلمين لإصراره علي الترشح بدون موافقة الجماعة ، وترشيح الدكتور سليم العوا نفسه في اللحظات الأخيرة، فترشيح العوا بلا شك سيكون خصما أكبر من أبو الفتوح ، بل وهناك من يتوقع أن يتوافق العوا وابو الفتوح علي إنسحاب الاخير لحسم أصوات الاسلاميين أو لملمتها بصورة أفضل لصالح أحدهما ، وقد يدخل في هذه الحسبة مرشحين إسلاميين أخرين مثل حازم أبو اسماعيل .
4- جاء في مؤخرة المرشحين كلا من : توفيق عكاشه صاحب قناة الفراعين وعضو الحزب الوطني المنحل واللواء محمد علي بلال نائب رئيس أركان القوات المسلحة ، وقائد القوات المصرية في حرب عاصفة الصحراء، المعروفة باسم حرب الخليج ، وإذا كان الأول متوقع مكانته في هذا الاستفتاء ، فالثاني ليس متوقعا له هذه النتيجة ، وقد يكون السبب هنا إما نقص الدعاية الانتخابية أو عدم تعرف الجمهور علي ترشحه أو بسبب ما ذكرناه في بداية التحليل من أن التصويت الالكتروني عبر فيس بوك لا يعبر عن جمهور الشارع المصري الحقيقي الذي لا يصوت إلا في الصناديق الانتخابية .
ويبقي السؤال : ما هو تاثير هذا التصويت الالكتروني علي موقع "المجلس العسكري" علي فيس بوك علي الاستفتاء الشعبي الحقيقي المقبل في نهاية العام الجاري ؟ هنا يمكن الحديث عن أثار ثلاثة : (أولها) : أنه قد يدفع بعض المصوتين لتغيير نتيجة تصويتهم في صناديق الانتخابات في حالة اكتشفوا ضعف مرشحهم المفضل في التصويت الالكتروني وخشوا ضياع صوتهم ، و(ثانيها) : أنه قد يكون مؤشرا خادعا لبعض المرشحين ، لأن التصويت الشعبي سيكون مختلف كثيرا عن الالكتروني ، فقد كان أنصار (لا لتعديل الدستور ونعم لتغييره بالكامل ) ملء الفيس بوك صخبا ، حتي تصور البعض أن نتائج الاستفتاء ستكون التعادل بين أنصار (الدستور أولا) وأنصار (الانتخابات أولا) ، ولكنها جاءت 22% فقط لصالح هؤلاء الذين صوتوا علي فيس بوك وملئوا الانترنت صخبا ، مقابل 77% لغالبية المصريين ممن لا يعرفون الفيس بوك خصوصا في القري والنجوع الفقيرة البعيدة الذين يبحثون عن الاستقرار وعن رئيس صادق يتفهم مشاكلهم لا مزيف يهتم باضواء الكاميرات الاعلامية ، أما التأثير (الثالث) المتوقع : فهو احتمالات كبيرة لانسحاب بعض المرشحين وقيام تيارات سياسية بالتوافق مع مرشحين قريبين منها بالتنازل لبعضهم البعض لعدم تشتت الأصوات ، وأبرز التيارات المرشحة لهذا هي التيارات الاسلامية التي يترشح منها خمسة مرشحين ذوي خلفيات اسلامية من الـ 15 مرشح الحاليين .
ولكن تعميم المجلس العسكري هذا الاستفتاء علي غالبية المصريين علي شبكة الأنترنت والفيس بوك تحديدا – لأنه مطلوب معرفة بيانات من يصوت علي فيس بوك كي لا يتكرر تصويته مرة اخري – يثير تساؤلات حول (أولا) : الهدف من هذا الاستفتاء ؟ و(ثانيا) : دلالات الاستفتاء نفسه حتي الأن ؟ ، و(ثالثا) : تاثير هذا علي الاستفتاء الشعبي الحقيقي المقبل في نهاية العام الجاري ؟ .
بداية يجب الاتفاق علي ان استفتاءات الانترنت ، والفيس بوك تحديدا ، لا تعبر بدقة عن واقع الشارع المصري وغالبية الشعب المصري ، ولا يمكن أن تعبر نتيجة استفتاء الانترنت عن رأي المواطن المصري العادي لعدة أسباب ابرزها : 1- أن جماهير الشارع المصري ليست كلها مشتركة في الانترنت أو الفيس بوك ولا يعبر عنها الفيس بوك ، ولهذا قيل أن التعبير الصحيح عن ثورة 25 يناير أن شباب الفيس بوك دعوا لها واطلقوا شرارتها الأولي ، ثم قام بها (كل أصحاب المظالم) وألوان الطيف من أبناء الشعب المصري .
2- أن عدد مستخدمي الانترنت في مصر قبل 25 يناير كان يبلغ 21.2 مليون شخص وصلوا الى 23.1 مليون بعد هذا التاريخ بزيادة نسبتها 8.9 بالمئة أو ما يعادل 1.9 مليون مستخدم ، بحسب تقرير أعدته شركة (تكنو وايرلس) المصرية المتخصصة في التسويق الالكتروني وشبكات الهاتف المحمول ، أما تعداد المصريين الحقيقي فيزيد علي 80 مليون نسمة ، أي أن مشتركي فيس بوك (وعلي فرض أنهم جميعا سيشاركون في استفتاء الرئاسة وهو إفتراض غير دقيق بالطبع) لا يمثلون سوي 29% من المصريين .
3- أن نتائج الاستفتاء تتأثر بالأحداث التي تجري وخصوصا اللقاءت التلفزيونية التي تجري مع المرشحين ، والملاحظة الملفتة هنا أن هذا الاستفتاء بدأ في اليوم التالي مباشرة للقاء عمرو خالد في برنامجه علي القناة الثانية (بكره أحلي) مع الدكتور محمد البرادعي ، ولهذا جاءت النتيجة الأولية لتصويت قرابة 20 الف من المصريين بتفوق البرادعي بنسبة 40% من الأصوات مقابل 18% للدكتور سليم العوا ، ثم تناقص التصويت للبرادعي الي 37% لاحقا ثم 36% مع تزايد دخول المصريين للتصويت لمرشحين أخرين .
لماذا هذا الاستفتاء ؟
ولا يمكن أن يتم إستفتاء كهذا علي صفحة المجلس العسكري دون أن نتساءل : لماذا هذا الاستفتاء الأن ؟ وما هي أهداف المجلس العسكري من وراء إجراءه ، خصوصا أنه الاستفتاء الثاني علي موقع المجلس علي فيس بوك ، حيث كان الاستفتاء الأول حول إلغاء حظر التجول ، وبرغم تصويت غالبية المصوتين لصالح عدم رفع حظر التجول إلا قبل استتباب الأمن فلم يلتزم المجلس العسكري بنتائج هذا الاستفتاء ورفع حالة حظر التجول (!)، وكان المبرر الأقوي لذلك هو السعي لتنشيط السياحة ، ويبدو أن إجراء هذا الاستفتاء له أبعاد متعددة ، ربما يكون من بينها :
1- رغبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة في معرفة هوية الرئيس المقبل الذي قد يختاره المصريون لأسباب سياسية واستراتيجية تتعلق مثلا بتأثير هذا الاختيار مستقبلا علي طبيعة النظام في مصر والعلاقات مع دول العالم ، فقد يكون هناك قلق ، من جانب المجلس العسكري ، من أن يثير إختيار رئيس مصر المقبل ، مشكلات تعرض استقرار مصر للخطر لو كانت سياساته راديكالية ، أو تدفع لحصار دولي لمصر لو جاء اسلاميا متشددا مثلا للحكم ، أو رافض لاتفاق السلام مع اسرائيل وساع لإلغاءها ، أو مهيج للفتنة الطائفية ، أو رئيس علماني يصادم توجهات المصريين الدينية الجياشة ، وهل يعني هذا الاختيار للرئيس المقبل أن الجيش ينوي التدخل بشكل ما ليكون له دورا مستقبليا في منع اي شطط ، أم ماذا ؟ أو تغيير استراتيجيته فيما يخص المستقبل في مصر أم لا ؟ .. فهناك من الكتاب المصريين ، من طالب مثلا بوضع مواد في الدستور المقبل تجعل للمجلس العسكري مستقبلا سلطات تسمح له بالتدخل لحماية الدولة أو مدنيتها علي غرار الحالة التركية القديمة ، وبالتالي التدخل في الحياة السياسية بمواد توضع في الدستور الجديد تعطي الجيش هذا الحق في التدخل ، وتجعله مستقلا عن رئيس الدولة ، وقد ألمح عادل حموده رئيس تحري الفجر لهذا ضمنا في مقاله الاخير بجريدة (الفجر) تحت عنوان «سيناريو الحكم العسكري القادم لمصر»، قدم فيه عرضا لنموذج تدخل الجيش في الحياة السياسية في تركيا، وطرح حمودة تصوره لسيناريو للحكم في مصر «يجمع بين سلطة عسكرية تتوارى وتراقب.. وسلطة تشريعية تنتخب وتشكل الحكومة.. وسلطة رئاسية تنحصر وتنكمش .
2- أيضا قد يكون من أهداف المجلس العسكري من وراء هذا الاستفتاء ، تهيئة الساحة السياسية المصرية لتقبل الرئيس المقبل وعدم الصدمة من الاختيار المتوقع للجماهير ، خصوصا ان استفتاء تعديل الدستور أصاب كثيرين بصدمة ، بعدما أعتبر بعضهم أن نسبة الـ 77% تعبر عن حجم التيارات الاسلامية ومن ثم اتجاهها للسيطرة علي الحكم مستقبلا ، أي أن الهدف هنا أمني ، بالدرجة الأولي لعدم وقوع اي احتجاجات علي الرئيس المقبل وتقبل نتائج التصويت وانتخابات الرئاسة كما هي بدون أن يحدث هذا صدمة ومفاجأة لا للداخل المصري أو لدول الجوار أو حتي للغرب ، خاصة أن المؤشرات تشير لاحتمالات تقدم مرشح إسلامي التوجه في انتخابات الرئاسة المقبلة مثل الدكتور محمد سليم العوا أو عبد المنعم ابو الفتوح أو المرشح الاسلامي المغمور المحسوب علي التيار السلفي والاخوان معا حازم صلاح ابو اسماعيل الذي كان مفاجأة الاستفتاء العسكري وتقدم فيه علي عمرو موسي وحمدين صباحي والبسطويسي وايمن نور وغيرهم ، وبالمثل ينطبق نفس الأمر علي المعارضين للبرادعي لو جاء رئيسا ، بحيث يتقبلوا فوزه بهدوء .
3- وقد يكون من هذه الأهداف أيضا أن يتم إرسال رسالة للراي العام المصري بتقبل اي نتيجة لانتخابات الرئاسة المقبلة وعدم معارضتها كما فعل البعض عقب استفتاء تعديل الدستور ، بما فيها فوز أحد أنصار النظام السابق ، خصوصا أن من مفاجأت الاستفتاء فوز اللواء أحمد شفيق أخر رئيس وزراء عينه الرئيس السابق مبارك بنسبة 12% من الأصوات ، بل وفوز اللواء عمر سليمان نائب مبارك السابق بنسبة 5% من الأصوات ، وهما من رموز النظام السابق ، وكذا تقدم الدكتور كمال الجنزوري وهو من النظام السابق ايضا بنسبة 3% علي مرشحين معارضين مخضرمين مثل صباحي والبسطويسي وايمن نور وغيرهم !.
4- وقد يكون من أهداف المجلس العسكري أيضا من وراء هذا الاستفتاء أن يعلم كل مرشح حجم قوته الحقيقي فلا يستمر في المنافسة ، وينسحب مبكرا بحيث تكون المنافسة بين عدد أقل من العدد الحالي الذي وصل الي 15 مرشحا ، بما يجعل الساحة الانتخابية اقل صخبا واقل تفككا ويسهم في حسم الانتخابات من جولتها الاولي بدون حاجة للإعادة .
دلالات نتائج الاستفتاء
1- لا شك أن تقدم الدكتور محمد البرادعي (36%) يليه الدكتور سليم العو (19%) ، وتقهقر أسماء كان يتوقع المصريون أن تحظي بإختيار نسبة كبيرة منهم مثل عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية (6%) والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (الذي فصلته جماعة الاخوان قبل الاستفتاء بساعات) والذي فاز بـ 3% فقط ، أو حمدين صباحي (2%) أو هشام البسطويسي (2%) شكل مفاجأة كبيرة لكثيرين، صحيح أن أسماء مثل البرادعي والعوا كان متوقعا أن تفوز بالنسب الأعلي ، ولكن المفاجأة جاءت في تقهقر أسماء كبيرة مثل عمرو موسي وحصولها علي نتائج متدنية (اللواء أحمد شفيق تقدم علي عمرو موسي !!).
2- المفاجأة الأخري الأكبر هي فوز ممثلي النظام السابق بنسب كبيرة ، وهي نسب قد تكون معبرة عن تأييد حقيقي لهم أو ما يمكن تسميته (التصويت الاحتجاجي) ، بمعني تصويت البعض لهذه الرموز القديمة يأسا من حالة الفوضي الأمنية والتخبط وعدم جني الثورة المكاسب العاجلة التي تصورها كثيرون ، وهذا النوع من التصويت قيل أنه حدث في انتخابات برلمان 2005 لصالح الاخوان نكاية في فساد وتزوير الحزب الوطني الحاكم حينئذ ، وضعف باقي الأحزاب ، حيث صوت 12% من العينة لصالح أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق في عهد الرئيس السابق حسني مبارك ، وصوت 5% لصالح عمر سليمان نائب الرئيس السابق ، والدكتور كمال الجنزوري بنسبة 3% ، ولم يستثن من هذا سوي المرشح توفيق عكاشه عضو الحزب الوطني المنحل وصاحب قناة الفراعين التي تهاجم الاسلاميين بضراوة ، والذي حصل علي 4 أصوات فقط ارتفعت الي 50 صوت بنسبة صفر% .
3- أكثر الخاسرين في هذا الاستفتاء ،بحسب أخر النتائج حتي لحظة كتابة هذا التحليل ،هما : عمرو موسي أمين عام الجامعة العربية الذي رشحه كثيرون لرئاسة مصر وتصرف هو بناء علي هذا ، وجاءت خسارته (الكترونيا) برغم المحاولات الغربية لتلميع صورته واستضافته – دون غيره – في قمة الثماني الصناعية الأخيرة بفرنسا ليلتقي كافة رؤساء الدول بما فيهم اوباما ، حيث حصد 7% فقط حتي الأن ، وكذا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (3%) الذي من الواضح أن الضربتين اللتان وجهتا له في الساعات الاخيرة قبل الاستفتاء كان لهما دورا في تراجعه ، وهما : فصله من مكتب ارشاد جماعة الاخوان المسلمين لإصراره علي الترشح بدون موافقة الجماعة ، وترشيح الدكتور سليم العوا نفسه في اللحظات الأخيرة، فترشيح العوا بلا شك سيكون خصما أكبر من أبو الفتوح ، بل وهناك من يتوقع أن يتوافق العوا وابو الفتوح علي إنسحاب الاخير لحسم أصوات الاسلاميين أو لملمتها بصورة أفضل لصالح أحدهما ، وقد يدخل في هذه الحسبة مرشحين إسلاميين أخرين مثل حازم أبو اسماعيل .
4- جاء في مؤخرة المرشحين كلا من : توفيق عكاشه صاحب قناة الفراعين وعضو الحزب الوطني المنحل واللواء محمد علي بلال نائب رئيس أركان القوات المسلحة ، وقائد القوات المصرية في حرب عاصفة الصحراء، المعروفة باسم حرب الخليج ، وإذا كان الأول متوقع مكانته في هذا الاستفتاء ، فالثاني ليس متوقعا له هذه النتيجة ، وقد يكون السبب هنا إما نقص الدعاية الانتخابية أو عدم تعرف الجمهور علي ترشحه أو بسبب ما ذكرناه في بداية التحليل من أن التصويت الالكتروني عبر فيس بوك لا يعبر عن جمهور الشارع المصري الحقيقي الذي لا يصوت إلا في الصناديق الانتخابية .
ويبقي السؤال : ما هو تاثير هذا التصويت الالكتروني علي موقع "المجلس العسكري" علي فيس بوك علي الاستفتاء الشعبي الحقيقي المقبل في نهاية العام الجاري ؟ هنا يمكن الحديث عن أثار ثلاثة : (أولها) : أنه قد يدفع بعض المصوتين لتغيير نتيجة تصويتهم في صناديق الانتخابات في حالة اكتشفوا ضعف مرشحهم المفضل في التصويت الالكتروني وخشوا ضياع صوتهم ، و(ثانيها) : أنه قد يكون مؤشرا خادعا لبعض المرشحين ، لأن التصويت الشعبي سيكون مختلف كثيرا عن الالكتروني ، فقد كان أنصار (لا لتعديل الدستور ونعم لتغييره بالكامل ) ملء الفيس بوك صخبا ، حتي تصور البعض أن نتائج الاستفتاء ستكون التعادل بين أنصار (الدستور أولا) وأنصار (الانتخابات أولا) ، ولكنها جاءت 22% فقط لصالح هؤلاء الذين صوتوا علي فيس بوك وملئوا الانترنت صخبا ، مقابل 77% لغالبية المصريين ممن لا يعرفون الفيس بوك خصوصا في القري والنجوع الفقيرة البعيدة الذين يبحثون عن الاستقرار وعن رئيس صادق يتفهم مشاكلهم لا مزيف يهتم باضواء الكاميرات الاعلامية ، أما التأثير (الثالث) المتوقع : فهو احتمالات كبيرة لانسحاب بعض المرشحين وقيام تيارات سياسية بالتوافق مع مرشحين قريبين منها بالتنازل لبعضهم البعض لعدم تشتت الأصوات ، وأبرز التيارات المرشحة لهذا هي التيارات الاسلامية التي يترشح منها خمسة مرشحين ذوي خلفيات اسلامية من الـ 15 مرشح الحاليين .
بوابة الوفد الاليكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق