الخميس، يناير 27، 2011

د.محمد البرادعي يكتب: أنزل إلى الشارع في القاهرة لأنه لم يعد هناك خيار أخر

كتب د.محمد البرادعي مقالا في عدد مجلة نيوزويك الأمريكية نشر الخميس في نفس اليوم الذي يعود فيه للقاهرة للمشاركة في المظاهرات الداعية للتغيير، والدستور الأصلي ينشر نص المقال كاملا.


في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مصر منذ شهرين فقط تم تزوير كل الأصوات، وترك حزب الرئيس حسني مبارك 3% فقط من البرلمان للمعارضة. تخيلوا ذلك.

وقالت الإدارة الأمريكية وقتها إنها "مستاءه"، وبصراحة أنا أكثر استياءاً لأن كل ما استطاعت واشنطن فعله هو أنها "استاءت"، وهي كلمة بالكاد تصف شعور الشعب المصري.

وبعد أن بدأت الاحتجاجات في الانتشار في شوارع مصر بعد اسقاط الديكتاتور التونسي، سمعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وهي تقول إن حكومة مصر مستقرة وأنها تبحث عن وسائل للاستجابة للمطالب المشروعة للشعب المصري، ليجعلني ما قالته كلينتون مذهولا، ويضعني في حيرة شديدة.

ماذا تعني كلينتون بـ"مستقرة"، وبأي ثمن؟ هل هو استقرار 29 عاما من الطوارئ ؟، رئيس مستبد لنظام متسلط؟، استقرار برلمان مزيف ؟ نظام قضائي غير مستقل؟ هل هذا هو ما تسميه كلينتون استقرار؟ أنا متأكد أنه ليس استقرارا، كما أني واثق بأن واشنطن لا تستطيع تطبيق نفس تلك المعايير للاستقرار في بلد آخر. ما نراه في مصر هو شبه استقرار لأن الاستقرار الحقيقي لا يأتي إلا بحكومة منتخبة.

إذا كنتم تريدون معرفة  انعدام المصداقية الأمريكية في الشرق  الأوسط، فهاهي الاجابة بدقة شديدة. إن الناس في حالة احباط شديد كما  رأيتم في الانتخابات الأخيرة . لقد  ترسخ لديهم اعتقاد قوي بأن معاييركم مزدوجة في التعامل مع أصدقائكم، وأنكم  تساندون نظام استبدادي فقط من أجل  اعتقادكم بأنكم تحافظون على مصالح  الولايات المتحدة. فنحن نعيش تفكك اجتماعي  وركود اقتصادي وقمع سياسي ولم  نسمع منكم أي شئ، الأمريكان والاوروبيون.

وبالتالي فعندما أسمعكم تقولون إن الحكومة المصرية تبحث تلبية مطالب الشعب المصري أريد أن أقول لكم "لقد تأخرتم كثيرا" فهذا لا يعد سياسة واقعية ، فنحن نرى أن ذلك حدث في تونس ، ومن قبلها في ايران، وبالتالي يجب أن تساعدوا الشعب على إدراك أنه لا يوجد استقرار إلا إذا كانت الحكومة مختارة بحرية من الشعب.

بالطبع فالغرب هو الذي ظل يروج لفكرة أن البديل الوحيد للنظام السلطوي هو الاسلاميين، وهو ما ثبت زيفه، فاذا كنا نتحدث عن مصر ، فهناك طيف من الشخصيات العلمانية الليبرالية ، واذا أعطتيموهم الفرصة فسيقومون بتنظيم أنفسهم لاجراء انتخابات لاختيار حكومة معتدلة و متفتحة، وسيعملون على اللحاق بركب الدول المتحضرة في العالم.

وبدلا من ربط الاسلام السياسي بالقاعدة طوال الوقت، يمكنك القاء نظرة أعمق على التاريخ، فبعد النبي محمد تم اختطاف الاسلام ليتم اظهار الحكام على أن لهم سلطة مطلقة وأنهم لا يحاسبهم أحد سوى الله، وبالطبع يتم استخدام ذلك الزعم لتبرير بقاء أي حاكم أيا كان. فمنذ أسابيع قليلة قام زعيم أحد الجماعات السلفية باصدار فتوى دينية يدعوني فيها إلى التوبة والتوقف عن تحريض الناس ضد الرئيس المصري حسني مبارك، والادعاء بأن الحكام له الحق في قتلي إذا لم أكف عن ذلك التحريض. إن مثل تلك الدعوات تعود بنا إلى العصور الغابرة، ولكن هل سمعنا كلمة احتجاج أو رفض واحدة لتلك الدعوة من الحكومة المصرية؟ الاجابة هي لا.

وعلى الرغم من كل ذلك ، فانا اعمل على ايجاد طريق ووسيلة للتغيير السلمي ، ففي بلد مثل مصر ليس من السهل اقناع الناس العاديين بالتوقيع ووضع أرقام بطاقاتهم الشخصية على ورقة تطالب بالاصلاحات الديموقراطية، ووافق مليون شخص فقط على فعل ذلك.


إن هذا النظام مثل القرد الذي لا يسمع أحدا ولا يرى شيئا، فهو يتجاهل الجميع.


وكنتيجة لذلك التجاهل خرج الشباب المصري للتعبير عن احباطهم من ذلك النظام الذي لا يسمعهم، وكل ما ترونه الآن في شوارع مصر هو من بتنظيم وتخطيط من ذلك الشباب . وكان على أن أبقى خارج مصر لان تلك هي الطريقة الوحيدة التي أستطيع من خلالها ايصال صوتي، فانا ممنوع من التحدث لأي وسيلة اعلامية وأنا على أرض مصر.

ولكني سأعود للقاهرة وساعود للشارع لأنه لا يوجد هناك خيار آخر. فكل يوم يمر يزيد من صعوبة التعامل مع نظام مبارك، فعلى الرغم من خروج الآلاف في الشوارع بشكل سلمي إلا أن مبارك لا يبدو أنه فهم الرسالة.

فالخيار الوحيد أمام المصريين هو بداية جديدة ، ولكن كم نحتاج من الوقت من أجل تحقيق ذلك ، لا أعلم. ففي مصر ،مثلما الحال في تونس، هناك قوى أخرى غير الرئيس والشعب ، فالجيش يبدو هادئا ومحايد حتى الآن ، وأتوقع أن يبقى كذلك ، فالجنود والعساكر جزء من مصر ، وهم يدركون ويفهمون حجم الاحباط بداخل الناس، فهم يريدون حماية الوطن.  ولكن هذا الأسبوع كسر المصريون حاجز الخوف وبمجرد ان انكسر ذلك الحاجز لن يوقفهم أحد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق