إبراهيم عيسى
لا شك أن هناك جمهورا من المصريين يؤيد ويتعاطف مع المجلس العسكرى وهو جمهور واسع ومنتشر جغرافيا فى كل أنحاء البلد ومتعدد طبقيا من أغنياء مرفهين إلى فقراء معدمين ومتنوع ثقافيا بحيث يشمل من العالِم إلى الجاهل، ولكنه فى أغلبه ليس جمهورا شابا بل معظمه من كبار السن ومن الأجيال التى رضيت بمبارك وحكمه ولم يكن لديها مانع من أن تعيش مع ابنه ثلاثين عاما أخرى كالتى عاشتها مع أبيه.
إذن أن هناك جمهورا يؤيد المجلس العسكرى فهذا مؤكد.
وأن عدده ضخم وواسع فهذا حقيقى فعلا.
لكنه للمفاجأة جمهور ليس مؤثرا ولا يفرق فى إحداث أى تغيير فى الشارع أو فى الواقع ولا يملك أى قدرة على لعب دور فى الحياة السياسية ولا قيمة له فى موازين الداخل أو الخارج!
هل يبدو التوصيف قاسيا؟
ربما، لكن العودة إلى ثورة يناير ومجرياتها تكشف أن هذا الجمهور المؤيد والداعم للمجلس العسكرى هو نفسه الذى كان مؤيدا ومتعاطفا مع مبارك، هذا الجمهور الصامت المتفرج الممصمص شفاهه والمستنكر لشوية العيال اللى عاملين دوشة وموقّفين حال البلد!
هذا الجمهور هو جمهور المواطنين الشرفاء الذين يحبهم جدا المجلس العسكرى ويطلب منهم بوضوح أن يعترضوا مظاهرات الشباب وأن يضربوا المتظاهرين، ويفخر جنرالات المجلس أن هؤلاء المواطنين الشرفاء يدافعون عنه وينسى أنه بهذه الدعوات يشعل نار حرب أهلية وفتنة بين الشعب هى نفسها التى أرادها مبارك وسعى لها رجاله!
لماذا يتعاطف البعض مع المجلس العسكرى ضد الثوار الذين يطلبون فقط تنفيذ ما قامت الثورة من أجله؟
الحقيقة أن بين هؤلاء الملايين من المتعاطفين طيبين ووطنيين مخلصين وناسًا تعتقد أن العسكرى وسيلتنا للاستقرار وأنه صمام أماننا فى البلد، وهذا كلام له منطق ووجاهة ويمتلئ صدقا وإن كان خاليا من أى صحة!
لماذا؟ لأن بقاء المجلس العسكرى هو علامة على عدم الاستقرار، فلا يوجد بلد طبيعى يحكمه مجلس عسكرى!
ثم لأن المجلس العسكرى فاشل تماما فى السياسة والاقتصاد والأمن، كما أن تجارب الدول المجاورة التى تمر بذات الفترة من التحول بعد الثورة مثل تونس وليبيا ليس فيها مجلس عسكرى، والثورة هى التى تحكم من خلال مجلس انتقالى أو رئيس مؤقت، ومع ذلك هى أهدأ وأكثر وضوحا فى خطواتها، ثم إن الاستقرار حتى فى ليبيا شبه المحطمة أكثر رسوخا مما يحدث فى مصر العسكرية!
لكن كيف لا يرى الناس فى مصر هذه الحقائق واستسلموا لهذه الخزعبلات التى ينشرها المجلس العسكرى بإعلامه ومنافقيه الذين هو وهم إعلام ومنافقو مبارك أنفسهم؟
الإجابة تعود بنا إلى تأكيد أن النوع الأكبر والأوسع من متعاطفى العسكرى هو من تربى فى عصر مبارك على الطاعة للحاكم وعلى قبول الإهانة سواء من شرطى يسكعه على قفاه أو موظف يطلب منه رشوة أو مدرس يبتزه من أجل درس خصوصى أو من طبيب يمص دمه بثمن العملية… هذا النوع لا يجد مشكلة فى أن يقف بالساعات كى يحصل على أنبوبة أو ينضرب لأجل شراء رغيف عيش؟ وهؤلاء جميعا كانوا الجناح الأكثر تأييدا كالعميان لمبارك فى أثناء الثورة، وهؤلاء الذين كانوا يصدقون هراء إعلام مبارك نتيجة ضعف الوعى وانخفاض مستوى التعليم ومحدودية الثقافة وتضاؤل اهتمامه بالعمل العام وعدم فهمه السياسة ورضاه بالأمر الواقع وطموحه المحدود بلقمة العيش حتى لو مغموسة بالذل…
ثم هناك النوع الكاره للثورة والمنتمى إلى كل فساد سبقها والذى يريد أن يتخلص منها ويصيبها الفشل الذريع تشفيا وشماتة، وهذا النوع هو بالفعل أيتام مبارك وأرامل نظامه وقد انتقلوا من مصطفى محمود إلى العباسية بينما يسعد جدا بهم الجنرالات، تماما كما كان يسعد بهم أنس الفقى وجمال مبارك وصفوت الشريف!
النوع الثالث هو من المصريين الخائفين طول الوقت والقلقين دوما والمعتقدين أن كل حركة هى فوضى وكل حيوية هى توتر وكل متظاهر هو خائن بأجندة وكل سياسى هو صاحب مصلحة وكل سلطة هى مصدر أمان، فيرمون بخوفهم ورجفتهم بأنفسهم فى حضن الحاكم سواء كان مبارك أو كان جنرال مبارك.
النوع الرابع هو الذى صدّق أن محمد مسيحى!
وأصل الحكاية أن مرشح الكتلة المصرية فى الجيزة يحمل اسم «محمد فؤاد»، فلما قرر السلفيون والإخوان محاربته نشروا فى الدائرة كلها أن «المرشح محمد فؤاد مسيحى»، وكانت نساء الدعوة السلفية يقفن فى طوابير الانتخابات يرددن أن «محمد فؤاد مسيحى فلا تنتخبوه»… طبعا فشل محمد فؤاد فى انتخابات الإعادة، لكن الجمهور الذى ردّد أن مرشحا اسمه محمد هو رجل مسيحى والجمهور الذى صدق أن محمد مسيحى هو القاعدة العريضة لمحبى ومؤيدى والمتعاطفين مع المجلس العسكرى!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق