ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يخطئ من يتصور أنه قادر على احتواء الثورة، وتحويلها إلى مجرد انتفاضة ومرت بسلام، فيحاول اصطياد مجموعات من شباب الميادين واقتيادهم كرها وطوعا إلى موائد أهل السلطة والتقاط الصور لهم، ليخرج فى نهاية المطاف بأكذوبة مصنوعة بتسرع مفادها أن الثوار مرحبون بالحكومة الجديدة.
إن ما رواه لى مجموعة من شباب ميادين الثورة عن مساومات «سفير مجلس الوزراء» معهم طوال الأيام الماضية يكشف إلى أى مدى انحطت السياسة فى مصر، وتدهورت حتى أصبحت تدار على طريقة كشافى الملاعب، وسماسرة صفقات الانتقالات فى عالم احتراف كرة القدم.
لقد حاول «سفير الجنزورى» والذى كان من قبل رجل عصام شرف، أن يصطاد عددا من الشباب ويجلسهم مع الجنزورى، ويضمهم إلى تشكيلة الحكم الجديدة، متصورا أن لعابهم سوف يسيل بمجرد أن يقدم لهم العرض، خصوصا أن الأسابيع الماضية شهدت عمليات إنهاك واستنزاف عنيفة ضد من تبقى متمسكا بثورته وإصراره على استكمالها.
والعجيب أن سفير الحكومة يفاوض عددا من الشباب فى توقيت واحد، لكنه يحاول إيهام كل منهم بأنه يكلمه بشكل خاص ودونا عن باقى الشباب، ثم ينهال عليه بعبارات الإطراء والثناء على أساس أنه يمتلك وعيا أعمق ووطنية أكثر.
ويشاء السميع العليم أن يفصح الشباب لبعضهم البعض عما جرى فى مفاوضات السفير، ليكتشف الجميع أنه يمارس معهم لعبة قديمة للغاية، مارسها من قبله نظام المخلوع، ثم مارسها من حكموا بعده بأن اصطنعوا لأنفسهم ائتلافات شبابية وضعوا عليها «ستيكر شباب الثورة»، وطرحوها فى الأسواق باعتبارها أصلية وليست مقلدة أو مزيفة.
ولأن هذه اللعبة فشلت ولم تنطل على أحد، حيث يستطيع الناس التمييز بين الثورى الأصلى، والمزيف أو المدعى، فقد جاءت المحاولة هذه المرة لإغواء عدد من شباب الثورة الحقيقى للالتحاق بقطار السلطة، واستخدامهم فى شق الصفوف الرافضة لحكومة الجنزورى، والمعترضة على سيناريو العك السياسى المتواصل على مدى الشهور العديدة الماضية، والمطالبة بحكومة تمثل الثورة ولا تمثل عليها، تعبر عنها، ولا تعبر فوق جثتها لإعادة إنتاج نظام مبارك.
لقد ضرب هذا الشباب الرائع مثلا فى الصمود واحترام الذات، فلم يهرولوا أمام عصا التدخلات الأمنية العنيفة، ولم يركضوا خلف جزرة الإغراءات والإغواءات التى يلوح بها المجلس العسكرى والحكومة طوال الوقت، فيما وقع فى هذه الأكمنة كبار كنا نحترمهم ونجلهم، غير أنهم لم يجدوا غضاضة فى أن يستخدموا ويستعملوا كمساحيق تجميل، أو أصص زرع على أسوار حديقة المجلس العسكرى.
ولأن مصر لا تزال تحتفظ بكثير من هؤلاء الشباب (الكبار) القابضين على جمر مبادئهم، الممتلئين إيمانا بأحقية هذا البلد فى أن يتغير، فإن الثورة لن تموت، وستبقى تقاوم كل محاولات المحو والإبادة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق