كان عمر بن الخطاب يريد إعدامه، وكان أبو بكر الصديق يريد تبرئته.
رضي الله عنهما ورضي عن الثالث الذي كان وقتها متهما وموضع تحقيق وسجال هائل ومرافعة بين الرائعين عمر وأبي بكر.
الثالث كان القائد العسكري المنتصر المغوار خالد بن الوليد، الذي وجد أن عمر بن الخطاب يطلب إقامة الحد عليه وقتله، رغم أن خالد عائد من نصرة في غزوة، رافعا راية الإسلام، كان عمر حاسما حازما وهو يطلب إعدام خالد، لأنه تجرأ وقتل رجلا بعدما أعلن إسلامه، بينما قرر أبو بكر أن خالد تأول واجتهد فأخطأ فلا عقوبة ولا حد عليه!
اللافت هنا أن الاثنين، وهما قمة الآباء المؤسسين للدولة الإسلامية، لم يهتما بنصر خالد بن الوليد ولا بانتصاره العسكري، فهذا لا يشفع له أبدا ولا يقدم له حجة ولا مبررا ولا سندا للتجاوز عن خطأ ارتكبه هو عند عمر جريمة وعند أبي بكر جنحة.
فما بالنا اليوم نسمع لغوا ممن يريد أن يغفو عن محاكمة مبارك، لأنه كان بطلا من أبطال حرب أكتوبر وقائدا للضربة الجوية الأولى.
المؤكد أن مبارك كان بالفعل، دون ذرة تشكيك، بطلا من أبطال أكتوبر، لكن هذا لا يشكل عذرا له كي يفعل ما يشاء أو يعفى مما ارتكب وأذنب في حق هذا الوطن. الضربة الجوية الأولى قام بها أبطال وطنيون بواسل من ضباط وجنود سلاح الطيران، وفيها ما في الحرب من شجاعة وعظمة!
لكن لقد تم استغلالها بأبطالها ورجالها في عملية تأسيس شرعية لمبارك تمكنه من أن يفعل بنا وفينا ما يشاء، ويتم إعادة استغلالها هذه الأيام، ربما لغض الطرف وإغفال النظر عن محاسبته ومحاكمته التي نريدها عادلة لا تحمل ذرة من ثأر أو انتقام، ولا أعرف لماذا اكتفى كاتبنا الكبير محمد حسنين هيكل بإشارات عابرة عن الضربة الجوية؟ بينما تاريخنا يحتاج شهادته كاملة، حيث إن تفاصيلها ليست في كتاب أو وثيقة تقول وتفصح، خصوصا أنني لم أفهم إطلاقا ما ألمح إليه البعض من أن هيكل شك أو تشكك.
قلت منذ سنوات للفنان العبقري أحمد زكي إنني لم أجد شيئا لأكتبه عن الضربة الجوية، فشعر بالصدمة والمفاجأة، لقد كنت أكتب سيناريو فيلم «أيام السادات» في المرحلة الأولى لصناعة هذا الفيلم، الذي كان حلما لأحمد زكي يحيا به ولأجله وقتها، وقد طلب متحمسا «كتابة مشهدين تلاتة يا إبراهيم عن الضربة الجوية»، وأراد أن يضع مشهدا للسادات وهو يجلس مع مبارك ويتحدثان عن الضربة الجوية، ثم مبارك في غرفة العمليات مع السادات، يتابعان الضربة الجوية، وكان هدفه -الله يرحمه- هو إثارة حماس الدولة للمشاركة في إنتاج الفيلم الذي كادت ميزانيته تفلسه، قلت له إنني لم أجد أي حاجة من التي تطلبها في أي كتاب عن حرب أكتوبر، بل لم أعثر على الضربة الجوية الثانية أبدا، فطوال الوقت يتحدثون عن الطلعة الأولى حتى ثار فضولي لأعرف متى كانت الثانية، فلم أعثر على تفاصيلها، وهل طلعت فعلا أم لا؟ وكنت قد عدت لكل كتب ومذكرات أكتوبر، أما أحمد زكي فرفض تماما استبعاد مشهد غرفة العمليات، رغم تأكيدي له أن مبارك لم يكن موجودا فيها إطلاقا وأنه كان في غرفة عمليات القوات الجوية، ولم ير السادات في الأيام الأولى أصلا وأن الصورة الموجودة لغرفة عمليات أكتوبر، التي يظهر فيها مبارك تم التقاطها بعد الحرب رغبة من السادات في توثيق المشهد بطريقة احتفالية، مثل بيان ثورة يوليو الذي نسمعه بصوت السادات، معتقدين أنه التسجيل الذي أذاعه السادات صباح الثورة، بينما السادات سجله في عيد الثورة العاشر، حتى تحتفظ الإذاعة بصوته، حيث لم تحتفظ بشريط يوم الثورة الأصلي!
طبعا ظهر مبارك في فيلم «أيام السادات» بطلعته الجوية، وكان أحمد زكي قد استغنى عن السيناريو الذي كتبته، ولم يظهر منه في الفيلم إلا مشهد واحد، وكنت أداعبه بعدها بأن قائد الطيران الإسرائيلي الذي ضرب مصر في الضربة الجوية الأولى في خمسة يونيو 1967، لا أحد يتذكر اسمه في إسرائيل، ولم يترشح لوزارة أو حكومة، ولم تغن له تل أبيب أوبريتات «صاحب أول ضربة جوية»!
وكنت قد سمعت كثيراً من يقول «ياريت كان مبارك ضرب مصر في أول طلعة جوية وحكم إسرائيل ثلاثين سنة»!
| الدستور
رضي الله عنهما ورضي عن الثالث الذي كان وقتها متهما وموضع تحقيق وسجال هائل ومرافعة بين الرائعين عمر وأبي بكر.
الثالث كان القائد العسكري المنتصر المغوار خالد بن الوليد، الذي وجد أن عمر بن الخطاب يطلب إقامة الحد عليه وقتله، رغم أن خالد عائد من نصرة في غزوة، رافعا راية الإسلام، كان عمر حاسما حازما وهو يطلب إعدام خالد، لأنه تجرأ وقتل رجلا بعدما أعلن إسلامه، بينما قرر أبو بكر أن خالد تأول واجتهد فأخطأ فلا عقوبة ولا حد عليه!
اللافت هنا أن الاثنين، وهما قمة الآباء المؤسسين للدولة الإسلامية، لم يهتما بنصر خالد بن الوليد ولا بانتصاره العسكري، فهذا لا يشفع له أبدا ولا يقدم له حجة ولا مبررا ولا سندا للتجاوز عن خطأ ارتكبه هو عند عمر جريمة وعند أبي بكر جنحة.
فما بالنا اليوم نسمع لغوا ممن يريد أن يغفو عن محاكمة مبارك، لأنه كان بطلا من أبطال حرب أكتوبر وقائدا للضربة الجوية الأولى.
المؤكد أن مبارك كان بالفعل، دون ذرة تشكيك، بطلا من أبطال أكتوبر، لكن هذا لا يشكل عذرا له كي يفعل ما يشاء أو يعفى مما ارتكب وأذنب في حق هذا الوطن. الضربة الجوية الأولى قام بها أبطال وطنيون بواسل من ضباط وجنود سلاح الطيران، وفيها ما في الحرب من شجاعة وعظمة!
لكن لقد تم استغلالها بأبطالها ورجالها في عملية تأسيس شرعية لمبارك تمكنه من أن يفعل بنا وفينا ما يشاء، ويتم إعادة استغلالها هذه الأيام، ربما لغض الطرف وإغفال النظر عن محاسبته ومحاكمته التي نريدها عادلة لا تحمل ذرة من ثأر أو انتقام، ولا أعرف لماذا اكتفى كاتبنا الكبير محمد حسنين هيكل بإشارات عابرة عن الضربة الجوية؟ بينما تاريخنا يحتاج شهادته كاملة، حيث إن تفاصيلها ليست في كتاب أو وثيقة تقول وتفصح، خصوصا أنني لم أفهم إطلاقا ما ألمح إليه البعض من أن هيكل شك أو تشكك.
قلت منذ سنوات للفنان العبقري أحمد زكي إنني لم أجد شيئا لأكتبه عن الضربة الجوية، فشعر بالصدمة والمفاجأة، لقد كنت أكتب سيناريو فيلم «أيام السادات» في المرحلة الأولى لصناعة هذا الفيلم، الذي كان حلما لأحمد زكي يحيا به ولأجله وقتها، وقد طلب متحمسا «كتابة مشهدين تلاتة يا إبراهيم عن الضربة الجوية»، وأراد أن يضع مشهدا للسادات وهو يجلس مع مبارك ويتحدثان عن الضربة الجوية، ثم مبارك في غرفة العمليات مع السادات، يتابعان الضربة الجوية، وكان هدفه -الله يرحمه- هو إثارة حماس الدولة للمشاركة في إنتاج الفيلم الذي كادت ميزانيته تفلسه، قلت له إنني لم أجد أي حاجة من التي تطلبها في أي كتاب عن حرب أكتوبر، بل لم أعثر على الضربة الجوية الثانية أبدا، فطوال الوقت يتحدثون عن الطلعة الأولى حتى ثار فضولي لأعرف متى كانت الثانية، فلم أعثر على تفاصيلها، وهل طلعت فعلا أم لا؟ وكنت قد عدت لكل كتب ومذكرات أكتوبر، أما أحمد زكي فرفض تماما استبعاد مشهد غرفة العمليات، رغم تأكيدي له أن مبارك لم يكن موجودا فيها إطلاقا وأنه كان في غرفة عمليات القوات الجوية، ولم ير السادات في الأيام الأولى أصلا وأن الصورة الموجودة لغرفة عمليات أكتوبر، التي يظهر فيها مبارك تم التقاطها بعد الحرب رغبة من السادات في توثيق المشهد بطريقة احتفالية، مثل بيان ثورة يوليو الذي نسمعه بصوت السادات، معتقدين أنه التسجيل الذي أذاعه السادات صباح الثورة، بينما السادات سجله في عيد الثورة العاشر، حتى تحتفظ الإذاعة بصوته، حيث لم تحتفظ بشريط يوم الثورة الأصلي!
طبعا ظهر مبارك في فيلم «أيام السادات» بطلعته الجوية، وكان أحمد زكي قد استغنى عن السيناريو الذي كتبته، ولم يظهر منه في الفيلم إلا مشهد واحد، وكنت أداعبه بعدها بأن قائد الطيران الإسرائيلي الذي ضرب مصر في الضربة الجوية الأولى في خمسة يونيو 1967، لا أحد يتذكر اسمه في إسرائيل، ولم يترشح لوزارة أو حكومة، ولم تغن له تل أبيب أوبريتات «صاحب أول ضربة جوية»!
وكنت قد سمعت كثيراً من يقول «ياريت كان مبارك ضرب مصر في أول طلعة جوية وحكم إسرائيل ثلاثين سنة»!
| الدستور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق