عرفت أن صديقي المليونير (نعم لدي أصدقاء مليونيرات) طلب من جماعة الإخوان المسلمين خمسة وعشرين مليون جنيه سعرا للقصر الذي يملكه في المقطم، وتريد الجماعة شراءه لاتخاذه مقرا لحزبها الجديد.. ما زالت المفاوضات سارية بينهما، ولا أعرف هل أفسدها بإذاعة خبرها أم لا.
ربما يبدو السؤال منطقيا، ومن أين للجماعة بهذا المبلغ كي تشتري به مقرا واحدا، ما بالك بفرشه وتأثيثه وببقية المقرات؟ لكن ليس مهما الإجابة هنا بقدر ما يصبح الأهم في البحث عن معركة الأموال الثلاثة التي تعيشها مصر الآن، فالولايات المتحدة عبر سفيرتها الجديدة في القاهرة أعلنت بمنتهى الفخر الأمريكي اللزج أنها ستنفق (أو خصصت) أربعين مليون دولار لدعم منظمات وجمعيات ساعية للتحول الديمقراطي في مصر، الرقم كبير لو حولته للجنيه فإذا بنا أمام نحو ربع مليار جنيه مصري لزوم ما يلزم من الديمقراطية، والرقم فضلا عن الطريقة، شغلا المجلس العسكري ودفعاه للتدقيق والتحقيق في هذا الإجراء الأمريكي وأبعاده، خصوصا أن الاتفاق منذ أيام جورج بوش مع الحكومة المصرية أن تخصص واشنطن أموالها من أجل الديمقراطية لمنظمات وجمعيات مسجلة في وزارة التضامن الاجتماعي، مما يجعلها تحت عين ورقابة الدولة. والحقيقة أن تصريح السفيرة الأمريكية لم يذهب لأبعد من ذلك، فالجهات التي ستتلقى منح واشنطن ستكون من تلك الجمعيات المنطوية تحت جناح الحكومة أو برعايتها في أغلبها، والتي أنشأ معظمها الحزب الوطني وقيادات من أمانة السياسات، حتى تتمكن من الفوز بالمال الأمريكي، فضلا عن استخدامه بطرق فارغة ونصابة، بحيث «يتد رمى» في جيبها وحصالتها، ولا عزاء لدافع الضرائب الأمريكي الغلبان الذي تمول فلوسه شراء شاليهات في مارينا، دفعا للعملية الديمقراطية في الساحل الشمالي!
لكن قلق المجلس العسكري يعود كذلك إلى سوء استخدام الأمريكان لهذه الأموال بتحويلها إلى منظمات أمريكية غير مرخص لها بالعمل في مصر، ولعله أمر شكلي لا يغني عن السؤال المركزي هنا، وهو الدور الذي تريده واشنطن لهذا المال الذي بدا واضحا، طبقا لما تسرب وتغلغل وتسلل من تصريحات ومقابلات أمريكية مؤخرا، من أنه لا مانع من وصوله لجماعات الإسلام السياسي فقط بضمانات رشادة التصرف ولطف القبول، لكن المال الأمريكي سيمول -في الغالب- أنشطة يقوم بها حقوقيون أو نشطاء سياسيون محسوبون على التيار الليبرالي، مما يشكل وصمة يحب البعض أن يختموها على ظهورهم بها، فيشكك في وطنية الفاعل والمفعول. ويقينا، فإن مطر المال الأمريكي رخ بالفعل على جمعيات بدأت العمل الحثيث في مجالات تحوم حول الانتخابات وتقدم نفسها لاعبة في ملعب التوعية السياسية..
ماذا تريد أمريكا من فلوسها في القاهرة؟
المسألة ليست في حاجة لسؤال أمريكا كي نعرف، فالمؤكد أن مصر الديمقراطية لا تهم أمريكا، بقدر مصر الطائعة الطيعة المطبعة مع إسرائيل، ثم هناك المال السعودي، والفارق الهائل بينه وبين المال الأمريكي أن السعودي أكثر وأوفر وأسرع وبلا كونجرس ولا رقابة ولا يأتي من مواطن دافع ضرائب، بل من صرر دنانير حكام وأمراء وشيوخ تظهر ملامح أموالهم في دعم تيارات تخدم وهابية المذهب والمسلك، وربما لا تأتي الأموال السعودية من خزائن رسمية بقدر ما تأتي من تبرعات ومنح وعطايا وزكاة تبتغي شراء الوعي المصري الديني والسياسي لصالح أفكار البداوة التي تجعل من مجتمع مثل مصر تابعا لا متبوعا، مباحا لا منيعا، مفتوحا لا فاتحا، وإذا كان المال الأمريكي مسجلا في دفاتر ومعروفا في سجلات لدى الحكومتين الأمريكية والمصرية، فإن المال السعودي سائل سائب لا دفاتر له ولا مستندات عليه، وإنما نرى فعله ولا نرى فاعله، وللأموال الأمريكية ظهيرها المساند المكمل القادم من أوروبا، وللأموال السعودية حليفها وتابعها من المال الخليجي.
ثم هناك المال المحلي، حيث مليارديرات النظام السابق المستعدون للإنفاق -وينفقون- من فائض وفوائد مكاسبهم الخرافية في العصر السابق على تفتيت وتهديد وتفشيل ثورة يناير، وضرب مفاصلها في الإعلام بإنشاء منافذ إعلامية أو دعم أخرى بإمكانات جهنمية، وفي السياسة عبر التمويل الانتقامي لأعمال وتحركات تثير الارتباك والفوضى وتشجع أطرافا في أجهزة الأمن على العصيان والانفلات وتكسير عظام الجسد المصري، حتى لا يستعيد عافية الركض نحو الديمقراطية، ثم هو مال متأهب للإعلان الأكثر إفصاحا عن الذات في الانتخابات القادمة عبر مرشحين مباشرين وغير مباشرين في لعبة الدفاع عن المصالح والثروات من جهة، والثأر من الثورة من جهة أخرى.
ليس بعيدا عن هذا كله ذلك المشهد في إحدى جلسات الأحزاب الناشئة، حين أراد شاب أن يغري آخرين بالانضمام للحزب، فقال لهم إن مؤسسه خصص مليار جنيه للإنفاق على الانتخابات.
لقد أصبح حب مصر مكلفا جدا هذه الأيام!!
| الدستور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق