فجر عصام شرف رئيس الوزراء المصري، مفاجأة من العيار الثقيل، عندما استقبل الكاتب الصحفي أسامه هيكل، رئيس تحرير جريدة الوفد، تمهيدا لتوليه منصب وزارة الإعلام، فبخلاف أن اللقاء يعني عودة وزارة الإعلام - وهي الفكرة المرفوضة من كافة الأطياف السياسية، خشية عودة الرقابة السياسية على المؤسسة الإعلامية وهو ما يكشف أن الثورة تسير في الاتجاه الخاطئ، ويجرد شرف ومجلسه من صفة "حكومة الثورة" – إلا أن كون اختيار شرف "لهيكل" تحديدا، شكل صدمة كبيرة للثوار.
فقد كان هيكل، من أكبر المعارضين للثورة والرافضين لخروج المتظاهرين يومي 25 و28 يناير، وكتب عدة مقالات تنتقد الثورة في بداياتها، معتبرها "انقلابا على الثوابت".
والدستور الأصلي من جانبه، يهدي لعصام شرف والمجلس العسكري والثوار الذين قرروا العودة إلى الميدان في جمعة الإصرار، مقال لأسامه هيكل، كتبه بجريدة الوفد يوم 24 يناير الماضي، عشية الثورة، ليعرفوا جميعا من هو وزير الإعلام الذي جاؤا به ليقود إعلام الثورة!
مقال أسامه هيكل الصادر بتاريخ 24 يناير
وقت المراجعة الأخير
"هذا هو وقت المراجعة.. فلا مجال للكبر أو العناد.. ولا مجال للتسويف أو المراوغة.. ولا أعتقد أن مصرياً مخلصاً لهذا الوطن يتمني تكرار سيناريو تونس في مصر.. ولا أحد يطمح في صدام بين الشعب والنظام.. ولكن ما ينبغي أن نفهمه جيدا، أن الشعب يريد التغيير.. وكلما كان التغيير هادئاً وقبل فوات الأوان، كانت النتائج أفضل لهذا الوطن.
ولا أخفي حزني الشديد من الدعوة لمسيرة احتجاجية غاضبة غداً أمام وزارة الداخلية.. ومنبع حزني هو هذا اليوم بالتحديد.. ففيه انقلاب علي ثوابت وقيم.. ففي 25 يناير من عام 1952، أصدر فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية أوامره لأبنائه من رجال الشرطة في الإسماعيلية بمقاومة قوات الاحتلال البريطاني التي حاولت نزع سلاح الشرطة.. ودارت معركة شرسة رغم عدم التكافؤ، سقط فيها 56 شهيداً من الشرطة المصرية وهم يدافعون عن كرامة الوطن جنباً إلي جنب مع الفدائيين الذين أرهقوا المحتل البريطاني في القناة.. وأصبحت ذكري هذه الملحمة البطولية تفرض نفسها كل عام في هذا التوقيت كعيد للشرطة.. ولكننا في الاحتفال بهذه الذكري غداً نشهد تحولاً خطيراً.. فبعد أن كانت الشرطة والفدائيون في مواجهة المحتل البريطاني، أصبح الغاضبون من شعب مصر يستهدفون الشرطة باعتبارها رمزا للنظام.. وبمنطق التعبير عن الرأي اختار الغاضبون يوم الاحتفال للتعبير عن الغضب.. ولا شك أن أحداث تونس الأخيرة أوحت للبعض بهذه الفكرة، وحاولوا التغيير بنفس الأسلوب.. وهذا مفزع وخطير.. وأخشي أن يتحول الأمر لمواجهة.. وأخشي أن يحدث عنف.. وأخشي أن يسقط في هذا اليوم قتيل أو جريح من أبناء هذا الوطن، فتحل ذكري الغضب محل ذكري الاحتفال بالبطولة كل عام.
ولهذا أدعو الشرطة والمتظاهرين علي السواء للتعقل.. فليعبر الغاضبون عن رأيهم بعيدا عن العنف، ولتسيطر الشرطة علي أعصابها.. فمن يتحكم في عقله وأعصابه غداً، سيكون الأقوي.
ولكن أمام هذا التحول المزعج، لابد أن يراجع النظام حساباته وفوراً.. فالناس في مصر تسمع عن ارتفاع مذهل في معدلات النمو، ولكنها لا تشعر به.. والأسعار ترتفع.. والبطالة تفترس الشباب، فمنهم من يهاجر بشكل غير شرعي فيغرق في البحر، ومنهم من يحترق أمام مجلس الشعب.. والفقر يتزايد، والجوع يتفاقم.. والهوة بين الأغنياء والفقراء تتسع بشكل مخيف.
الفرصة لا تزال سانحة أمام النظام لإحداث التغيير الذي لم يأت.. ولم يعد ممكناً الاستمرار علي نفس منهج صم الآذان، ولا يمكن أن تظل الديمقراطية، أن يتحدث الشعب كيفما يشاء وتفعل الحكومة ما تشاء.. فحينما تجمع الأحزاب والقوي السياسية علي أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة كانت مزورة، لابد أن يظهر النظام اهتماماً وتجاوباً.. بدلا من أن يكون لدينا 486 نائباً مطعونا في صحة عضويتهم أمام محكمة النقض، وحينما يتحدث الناس عن ضرورة حتمية لتغيير المادتين 76 و77 من الدستور، ويكون هناك إجماع شعبي علي رفض هاتين المادتين المتناقضتين مع قواعد الديمقراطية الحقيقية، فلابد أن يظهر النظام تجاوباً حتي يكون هناك تداول للسلطة وسقف زمني لتولي الرئاسة، وحتي يكون لدي الأحزاب فرص حقيقية في المنافسة.
نحن الآن في أمس الحاجة لحوار حقيقي جاد بين النظام ومختلف القوي السياسية فالتجارب تقطع بأن النظم تستمد قوتها من الشعوب، ولا يمكن مقارنة قوة النظام بقوة الشعب، مراجعة المواقف كلها الآن حتمية وواجبة.. فلا أحد يريد عنفاً.. ولا أحد يتمني تغييراً علي الطريقة التونسية.. وأدعو الله أن يمر يوم غد بسلام".
| الدستور
فقد كان هيكل، من أكبر المعارضين للثورة والرافضين لخروج المتظاهرين يومي 25 و28 يناير، وكتب عدة مقالات تنتقد الثورة في بداياتها، معتبرها "انقلابا على الثوابت".
والدستور الأصلي من جانبه، يهدي لعصام شرف والمجلس العسكري والثوار الذين قرروا العودة إلى الميدان في جمعة الإصرار، مقال لأسامه هيكل، كتبه بجريدة الوفد يوم 24 يناير الماضي، عشية الثورة، ليعرفوا جميعا من هو وزير الإعلام الذي جاؤا به ليقود إعلام الثورة!
مقال أسامه هيكل الصادر بتاريخ 24 يناير
وقت المراجعة الأخير
"هذا هو وقت المراجعة.. فلا مجال للكبر أو العناد.. ولا مجال للتسويف أو المراوغة.. ولا أعتقد أن مصرياً مخلصاً لهذا الوطن يتمني تكرار سيناريو تونس في مصر.. ولا أحد يطمح في صدام بين الشعب والنظام.. ولكن ما ينبغي أن نفهمه جيدا، أن الشعب يريد التغيير.. وكلما كان التغيير هادئاً وقبل فوات الأوان، كانت النتائج أفضل لهذا الوطن.
ولا أخفي حزني الشديد من الدعوة لمسيرة احتجاجية غاضبة غداً أمام وزارة الداخلية.. ومنبع حزني هو هذا اليوم بالتحديد.. ففيه انقلاب علي ثوابت وقيم.. ففي 25 يناير من عام 1952، أصدر فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية أوامره لأبنائه من رجال الشرطة في الإسماعيلية بمقاومة قوات الاحتلال البريطاني التي حاولت نزع سلاح الشرطة.. ودارت معركة شرسة رغم عدم التكافؤ، سقط فيها 56 شهيداً من الشرطة المصرية وهم يدافعون عن كرامة الوطن جنباً إلي جنب مع الفدائيين الذين أرهقوا المحتل البريطاني في القناة.. وأصبحت ذكري هذه الملحمة البطولية تفرض نفسها كل عام في هذا التوقيت كعيد للشرطة.. ولكننا في الاحتفال بهذه الذكري غداً نشهد تحولاً خطيراً.. فبعد أن كانت الشرطة والفدائيون في مواجهة المحتل البريطاني، أصبح الغاضبون من شعب مصر يستهدفون الشرطة باعتبارها رمزا للنظام.. وبمنطق التعبير عن الرأي اختار الغاضبون يوم الاحتفال للتعبير عن الغضب.. ولا شك أن أحداث تونس الأخيرة أوحت للبعض بهذه الفكرة، وحاولوا التغيير بنفس الأسلوب.. وهذا مفزع وخطير.. وأخشي أن يتحول الأمر لمواجهة.. وأخشي أن يحدث عنف.. وأخشي أن يسقط في هذا اليوم قتيل أو جريح من أبناء هذا الوطن، فتحل ذكري الغضب محل ذكري الاحتفال بالبطولة كل عام.
ولهذا أدعو الشرطة والمتظاهرين علي السواء للتعقل.. فليعبر الغاضبون عن رأيهم بعيدا عن العنف، ولتسيطر الشرطة علي أعصابها.. فمن يتحكم في عقله وأعصابه غداً، سيكون الأقوي.
ولكن أمام هذا التحول المزعج، لابد أن يراجع النظام حساباته وفوراً.. فالناس في مصر تسمع عن ارتفاع مذهل في معدلات النمو، ولكنها لا تشعر به.. والأسعار ترتفع.. والبطالة تفترس الشباب، فمنهم من يهاجر بشكل غير شرعي فيغرق في البحر، ومنهم من يحترق أمام مجلس الشعب.. والفقر يتزايد، والجوع يتفاقم.. والهوة بين الأغنياء والفقراء تتسع بشكل مخيف.
الفرصة لا تزال سانحة أمام النظام لإحداث التغيير الذي لم يأت.. ولم يعد ممكناً الاستمرار علي نفس منهج صم الآذان، ولا يمكن أن تظل الديمقراطية، أن يتحدث الشعب كيفما يشاء وتفعل الحكومة ما تشاء.. فحينما تجمع الأحزاب والقوي السياسية علي أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة كانت مزورة، لابد أن يظهر النظام اهتماماً وتجاوباً.. بدلا من أن يكون لدينا 486 نائباً مطعونا في صحة عضويتهم أمام محكمة النقض، وحينما يتحدث الناس عن ضرورة حتمية لتغيير المادتين 76 و77 من الدستور، ويكون هناك إجماع شعبي علي رفض هاتين المادتين المتناقضتين مع قواعد الديمقراطية الحقيقية، فلابد أن يظهر النظام تجاوباً حتي يكون هناك تداول للسلطة وسقف زمني لتولي الرئاسة، وحتي يكون لدي الأحزاب فرص حقيقية في المنافسة.
نحن الآن في أمس الحاجة لحوار حقيقي جاد بين النظام ومختلف القوي السياسية فالتجارب تقطع بأن النظم تستمد قوتها من الشعوب، ولا يمكن مقارنة قوة النظام بقوة الشعب، مراجعة المواقف كلها الآن حتمية وواجبة.. فلا أحد يريد عنفاً.. ولا أحد يتمني تغييراً علي الطريقة التونسية.. وأدعو الله أن يمر يوم غد بسلام".
| الدستور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق