الثلاثاء، مايو 03، 2011

عبدالحليم قنديل يكتب: الدسـتور أولاً ياجنــرالات


صوت الأمة


· نعم ياجنرالات.. الدستور أولا.. وليس دفع الـبلد إلي انتخابات متعجلة تعقبها مجالس موقوتة ورئاسة موقوتة ثم استفتاءات فانتخابات لثلاث سنوات

ينتقل مبارك من مستشفي شرم الشيخ أو لا ينتقل، يذهب إلي مستشفي عسكري أو إلي سجن طرة، تحولت القصة إلي مسلسل تركي، لا تنتهي حلقاته إلا وتعاد صباحا ومساء، مع فوارق الصور بالطبع، فقد لا تصح مقارنة نضارة «مهند» إلي كآبة «حسني مبارك» ولا جاذبية «نور» إلي ثقل ظل السيدة سوزان، والأخيرة هي «شجرة الضر»، فيما جري ويجري لمصر، وحتي لزوجها المثقل بالجرائم والسرقات والخطايا والخيانات.

ربما الفرق الظاهر أن مسلسل «مبارك - سوزان» من أعمال السياسة لا من أعمال الدراما، والمط والتطويل فيه ليس من صنع كتاب السيناريو المحترفين، بل يعكس ترددا سياسيا ظاهرا، وليس انتظارا لقرار من النائب العام، وهو الذي لا يملك قراره في القصة كلها، ولا ترجمة لتقارير «السباعي» كبير الأطباء الشرعيين، والذي جعل من حكاية «الارتجاف الأذيني» مزحة شعبية، فليس من خطر صحي مباشر في نقل مبارك محبوسا إلي أي مكان ملائم، وتصريحات النائب العام ووزير الداخلية منصور العيسوي والسباعي، وكلها نسخ متكررة بفروق الأيام التي تصدر فيها، وكلها كلام يستهلك الوقت والحبر، وفي انتظار قرار من صاحب القرار، والمعروف بالاسم والرسم، وهو «المجلس العسكري» الذي أخذ قرار التحقيق وحبس مبارك إلي حين ميسرة في مستشفي شرم الشيخ، وربما يفضل بعض جنرالاته انتظار «عزرائيل» خلاصا من دواعي حرج وكثافة ضغوط، ولا أحد يعلم ـ بالضبط ـ موعد زيارة «عزرائيل» لمستشفي شرم الشيخ، فتلك إرادة الله وحده، وإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون.

المهم أن المسلسل تتصل حلقاته، وإن فترت حماسة المشاهدين، وربما يكون هذا هو المقصود، ما علينا، المهم أن المجلس العسكري أخذ قرار محاكمة مبارك وعائلته وعصابته، وتحدي ضغوطا لها ثقل الجبال الرواسي، وكسب ثقة شعبية غالية، وبوسعه أن يزيد الثقة، لو واصل الشوط إلي منتهاه، واتصلت خطوات كنس النظام القديم ، وتوالت الخطي الجادة، فقد جري حل حزب الرئيس المخلوع، وتسليم مقراته وممتلكاته للدولة، وصدر قرار قضائي بإزالة صور واسم مبارك وعائلته أني وجدت، ويصدر قرار بحل المجالس المحلية المزورة، وبعد الكنس السياسي، ربما ينبغي التخلص من القمامة، وإصدار قانون «الفساد السياسي» كمرجع لمحاكمات شاملة وعادلة، وإصدار قانون عزل سياسي، يحرم عناصر العصابة المخلوعة، وقادة الحزب المخلوع نزولا إلي مستوي أعضاء لجان الأقسام والمراكز، ولمدة أقلها خمس سنوات، يحرمهم من ممارسة أي حقوق سياسية ترشيحا وتصويتاً، ويلزم جميع المتقدمين لوظائف الخدمة العامة بتقديم إقرارات ذمة مالية، يجري نشرها في جميع وسائل الإعلام، ويفتح باب الطعن علي ما يرد فيها، وإلي أن تثبت صحتها النافية للخلط والتشوش، ومن خلال أجهزة رقابية قضائية مستقلة تماما، يكون قرارها نهائيا، وشرطا لازما لقبول ترشيح أي شخص لوظيفة تنفيذية أو تشريعية أو سياسية، وربما يكون ذلك هو أسلم الطرق لاستعادة ثقة المصريين بشاغلي الوظائف العامة، وسواء ظلوا في المعارضة، أو ذهبوا إلي دواوين الحكومة.

ويمكن لجنرالات «المجلس العسكري» أن يفعلوها، وأن يصدروا القوانين المطلوبة بجرة قلم، وهذه ليست شروطا ولا إملاءات، إنها ضوابط وبداهات، لا تستقيم بدونها حياة سياسية واقتصادية سليمة، خاصة في مصر التي أكل الفساد أخضرها ويابسها، وخاصة لدي المصريين المذهولين مما يتكشف الآن، فقد كان المصريون في شغل عن هذا كله، كانوا تائهين في زحام الأوتوبيس، لا يكاد الواحد منهم يفكر حتي في موضع لإصبع قدمه، وأنزلتهم الثورة من زحام المتاهة، فتحسسوا جيوبهم، وتحسسوا رءوسهم ، وأصابهم دوار وذهول اكتشاف السرقات، ولا شيء ينجيهم من الصدمة غير التفكر والتعقل، وإرغام الظالمين علي دفع فواتير الحساب، وصياغة حياة جديدة بتشريعات احتياط شفافة، تستعيد لهم الثقة في أنفسهم، وتعيدهم من صحاري التيه، وتنهي غربة الجسد والروح والعقل، وهذه مسئوليتنا جميعا، ومسئولية المجلس العسكري الآن، وهو صاحب السلطة الواقعية ، و«الوكيل» المعتمد عن «الأصيل» الذي هو ثورة الشعب المصري، وأحلامه وأشواقه إلي حياة، تعود فيها النجوم إلي مداراتها، وتذهب بها مصر إلي مكانها الذي تستحقه في عين الشمس.

وقد آن الآوان لكي نتحدث بصراحة مع جنرالات المجلس العسكري، ليس فقط في مهام كنس النظام المخلوع، بل في مدي سلامة خططه للتقدم إلي بناء نظام جديد، فسيناريو المجلس العسكري المتعجل لإجراء انتخابات برلمانية فرئاسية مع نهاية العام2011، هذا السيناريو ليس قرآنا ولا إنجيلا، وليس قضاء لا يرد، بل مجرد اجتهاد لجنرالات المجلس العسكري ، أو اجتهاد لمستشاريه المدنيين، وهو اجتهاد خاطيء بالجملة، ويستنزف طاقة البلد، وليس صحيحا أن الشعب المصري قد استفتي فيه، فاستفتاء 19مارس2011، جري إلغاء نتائجه عمليا، غالبية المصوتين قالوا «نعم» لتعديلات محددة علي دستور 1971 صاغتها لجنة المستشار طارق البشري، وقد كنا ندعو لقول «لا»، ولإلغاء الاستفتاء من أصله، ما علينا، المهم أن الغالبية وافقت، ومقتضي الموافقة - أياً كانت دواعيها وظروفها - معروف للعامة قبل الخاصة، وهو استعادة دستور1971 بالتعديلات المستفتي عليها، وهنا اكتشف المجلس العسكري مأزقه، فليس في دستور1971 ذكر ولا سيرة لسلطة المجلس العسكري، ولا في التعديلات المستفتي عليها، ولجأ المجلس العسكري إلي شطب نتائج ما جري عمليا، ووضع إعلاناً دستورياً جديداً بعد إعلانه الأول، عالج الخطأ بخطأ أكبر، ووضع من عنده سيناريو انتقال مطول ومعقد ومرهق للنفوس بعد التواء النصوص، وتأمل- من فضلك- ما سيجري مع تطبيق سيناريو الجنرالات، فسوف تجري انتخابات متزامنة لمجلسي الشعب والشوري بحلول سبتمبر 2011، وبعدها بشهور قد تطول، سوف تجري انتخابات الرئاسة، وبعدها بستة شهور، يشكل المنتخبون من مجلسي الشعب والشوري لجنة المائة لوضع الدستور الجديد، ويجري الاستفتاء علي الدستور الجديد بعد ستة شهور أخري، ثم يجري حل مجلسي الشعب والشوري لفقدان الشرعية بحكم نص الدستور الجديد، وتتحدد مواعيد لاحقة لإجراء انتخابات برلمانية، ثم يتحدد ميعاد آخر لإجراء انتخابات رئاسة ثانية، وبحسبة ليست لأهل «برما»، يتضح حجم الكارثة، فالسيناريو يستغرق تنفيذه سنتين ونصف السنة في أقل تقدير، وقد تمتد بالتساهيل إلي ثلاثة أعوام، يظل فيها البلد علي حال القلق، وتتداعي مظاهر ركود الاقتصاد إلي ما يجاوز الافلاس، فلا أحد يعرف إلام تنتهي القصة؟، وكيف ستكون صورة النظام السياسي الجديد، وكيف تنتظم القوانين، ودولاب الأمن، ودولاب التنفيذ، وشرعية المؤسسات البرلمانية، والبلد الواقف علي رصيف انتظار يبعث علي الملل، وربما ينفجر غيظه في وجوهنا جميعا.

آن الأوان لنقولها بصراحة، هذا السيناريو مدمر، ولا ينتقل بمصر إلي حياة جديدة، بل ربما - لا سمح الله - إلي مقبرة جديدة، هذا السيناريو يعني اتصال الفوضي، وتكاليفه فوق طاقة احتمال المصريين، والبديل معروف، ولا يستدعي إعادة اختراع العجلة، فلسنا أول أمة تدخل في فترة انتقالية ، والخطوات محفوظة، ولا تحتاج في الوقت سوي لسنة واحدة، تكون فيها السلطة للمجلس العسكري ولحكومة ائتلاف وطني مدني، ويجري فيها التالي بالدقة، أولا : إعلان دستوري مختصر يضمن الحقوق والمباديء والحريات العامة، ثانيا : إطلاق الحريات خاصة حرية تكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات، ثالثا : تكوين جمعية تأسيسية تصوغ وتقر الدستور الجديد، رابعا : إجراء انتخابات برلمانية بنظام القوائم النسبية غير المشروطة، خامسا: إجراء انتخابات الرئاسة، ثم توضع النقطة في آخر السطر، وينتهي الدور المؤقت لسلطة المجلس العسكري.

نعم ياجنرالات، الدستور أولا، وليس دفع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق