الاثنين، مايو 02، 2011

ريتشارد فولك: أستعد لضربات إسرائيل الاستباقية على تقريرى - بوابة الشروق

دينا عزت -

ريتشارد فولك
جاء إلى المنطقة لزيارة مصر والأردن والأراضى الفلسطينية فحال التعنت الإسرائيلى دون وصوله إلى رام الله وحالت التوترات الأمنية التى سيطرت على غزة بعد مقتل ناشط السلام الإيطالى دون وصوله إلى القطاع المحاصر عبر المعبر المصرى بالرغم من تصريح السلطات المصرية بإتمام الزيارة.


إنه ريتشارد فولك، القاضى اليهودى الذى اختارته الأمم المتحدة مفوضا لأوضاع حقوق الإنسان فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، والذى جاءت زيارته للمنطقة هذا الاسبوع للقاء ناشطين حقوقيين ورسميين وقانونيين وسياسيين فى اطار البحث الذى يجريه لتقرير يستعد لكتابته ورفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر المقبل كيفما هو الحال كل عام.


تقرير فولك المقبل

تقرير فولك للجميعة العامة بمقر الأمم المتحدة بجنيف هو أحد تقريرين يرفعهما المفوض الأممى لكيانين من كيانات الأمم المتحدة، والأول يكون فى شهر مارس مع افتتاح الدورة الاعتيادية لأعمال مجلس حقوق الإنسان بمقره فى جنيف.


وعبر السنوات القليلة الماضية، منذ توليه مهام منصبه فى مايو 2008، اشتهرت تقارير فولك بأنها تحمل ما لا يحب الإسرائيليون أن يسمعوه، أو بالأحرى ما لا يودون أن يسمعه العالم، حول ممارساتهم القمعية للشعب الفلسطينى تحت الاحتلال والتى لا تتفق مع مقتضيات اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة برعاية احوال المدنيين تحت الاحتلال.


وبالطبع فإنه فى كل مرة يتحدث فيها فولك تنطلق آلة الاعتراض والهجوم الإسرائيلية عليه سواء من خلال تصريحات رسمية لسفراء إسرائيل فى الأمم المتحدة أو من خلال حملات تشويه فى الصحافة الإسرائيلية التى يرى بعض كتابها أن السلطات الإسرائيلية تحسن فعلا بعدم السماح للمفوض الأممى دخول الأراضى الفلسطينية لجمع معلومات حول ما يجرى على الأرض. غير أن ذلك لم يحل أبدا دون أن يتحدث فولك عن ارتكاب إسرائيل «جرائم حرب» بحق الشعب الفلسطينى من خلال إجراءات العقاب الجماعى، كما هو الحال بالنسبة للحصار المفروض لسنوات على غزة، ومن خلال استهداف المدنيين كما يحدث فى العمليات العسكرية الإسرائيلية على القطاع المفقر، خاصة ما وقع فى عملية الرصاص المصبوب التى بدأت قبل نهاية 2008 واستمرت حتى الثامن عشر من يناير 2009.


وكان من أكثر ما أغضب إسرائيل التقارير التى اعدها المفوض الأممى حول الوضع فى الأراضى الفلسطينية، خاصة غزة، عقب عدوان نهاية 2008 ومطلع 2009 المعروف باسم عملية الرصاص المصبوب.


هذه المرة أيضا لن ترتاح السلطات الإسرائيلية لما سيخبر به فولك الجمعية العامة والذى سيخصصه بالأساس لعرض مآساة الأطفال الذين يعيشون فى ظل احتلال طويل وممتدد.


ورغم أن فولك مازال فى طور البحث والدراسة لإعداد تقريره إلا أنه لدى لقائه «الشروق» قال إن من ضمن ما سينقله التقرير إلى الجمعية العامة هو تفاصيل عن حالة الحرمان التى يعانى منها أطفال الشعب الفلسطينى تحت الاحتلال، بما فى ذلك الحرمان من الغذاء السليم ومن الأمن فى وجه العنف والترهيب وكذلك الحرمان من التعليم، او من التعليم الجيد، ومن أن يكون لهم حياة طبيعية بها قدر من النشاطات الثقافية التى يحتاجها الأطفال.


وكان فولك اخبر مجلس حقوق الإنسان منذ اسابيع أن عمليات هدم المنازل التى تقوم بها السلطات الإسرائيلية فى الضفة الغربية قد تسببت منذ مطلع العام الحالى وحتى حلول الربيع لفقدان نحو 175 شخصا للمأوى، مشيرا إلى أن نصف هؤلاء هم من الأطفال.


الضفة الغربية وقطاع غزة

ويلفت فولك إلى أنه وعلى العكس من الاعتقاد السائد فإن «المشكلات التى يعانى منها الفلسطينيون فى الضفة الغربية ليست اقل بكثير من تلك التى يعانى منها الفلسطينيون فى الضفة الغربية»، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية هو خاضع بالضرورة للسلطات الإسرائيلية وهو فى هذه الحالة ربما يكون اسوأ بصورة ما من غزة التى تحاصرها قوات الاحتلال ولا توجد بداخلها.


ويشير فولك إلى معلومات، يقوم بدراستها، حول قيام السلطات الإسرائيلية بتوقيف اطفال فلسطينيين فى منتصف الليل حيث يتم القبض عليهم من منازلهم وفى وسط أسرهم ويتم اقتيادهم إلى مقار أمنية غير معلومة الجهة بالنسبة للأسر، ويكونون مقيديين بالاغلال وفى حالة نفسية سيئة، وكل ذلك لأسباب قد لا تتجاوز مشاركتهم فى مظاهرات مناهضة لإسرائيل.


ويقول فولك إن مثل هذه الامور وغيرها مما سيرصدها فى تقريره القادم تشير بوضوح إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلى «تخلق حالة من الرعب» تعيش داخل الأطفال الفلسطينيين الذين هم فى الاساس يشعرون بالرعب جراء الاختناق النفسى الناجم عن طول الاحتلال بما يعطى الانطباع لهؤلاء بأنهم مساجين.


السلطة الفلسطينية

فى الوقت نفسه لا يتوقع فولك أن يواجه تقريره القادم بالكثير من الغضب من قبل السلطة الفلسطينية التى سبق لها أن تجادلت مع المقرر الأممى واعربت عن غضبها منه جراء انتقادات بعضها ضمنى وبعضها مباشر وجهها فولك حول طريقة تعامل السلطة الفلسطينية المستقرة فى رام الله، فى عزلة عن غزة التى انفصلت بها حماس فى صيف 2007، حول دورها فى تعقيد الظروف الصعبة بالاساس للفلسطينيين فى غزة، بل وكذلك فى الضفة.


«لقد تغيرت الامور بعض الشىء،» يقول المفوض الأممى وهو يعتدل فى جلسته ويبتسم ابتسامة ذات مغزى فى إشارة ربما إلى ما تتداوله الكثير من الأوساط الدبلوماسية حول تغييرات طرأت فى مواقف السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بعد ذهاب الحكم عن الرئيس المصرى حسنى مبارك تحت ضغط شعبى عارم.


«إنهم يشعرون أن الامور تتغير ومن الضرورى بالطبع أن يقع بعض التعديل على بعض المواقف للحفاظ على الشرعية القانونية»، حسبما يؤكد فولك، ثم يضيف أن السلطة الفلسطينية «تتحرك تماهيا مع التيار»، خاصة بعد أن شعر اقطابها أن الرئيس الامريكى باراك أوباما «قد ضللها» بوعود طرحها فى البداية ثم سرعان ما لم يتبلور منها شىء يذكر على الارض، إلى جانب ما تقوم به إسرائيل من «تسريع لوتيرة الاستيطان غير القانونى على الأراضى الفلسطينية المحتلة» وتغاضى عن «العنف الذى يمارسه المستوطنون» ضد الشعب الفلسطينى تحت الاحتلال.


ويرى فولك أنه لابد وان تدرك السلطة الفلسطينية أن ما تقوم به إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية المحتلة «يقارب أن يكون ضما للأراضى بالقوة فى سياق من الفصل العنصرى» وهو ما يماثل ما كان عليه الوضع فى جنوب أفريقيا بل وما يستوجب العمل منه لعقابه من خلال الآليات القانونية الدولية بما فى ذلك اتفاقية روما المنظمة لعمل المحكمة الجنائية الدولية.


المصالحة الفلسطينية

وفى هذا السياق فإن فولك يتعاطى بقدر غير قليل من التشكك مع أنباء توقيع حركتى حماس وفتح، اللتين تسيطران بالأساس على السلطة الفلسطينية ومقدراتها، بالأحرف الأولى على اتفاقية طال التفاوض حولها لسنوات لإنهاء الانقسام الفلسطينى.


ويقول فولك إن ما يهم هو أن تؤدى هذه المصالحة، إذا ما تحققت على الأرض، لصياغات جديدة تتجاوز خلافات وعداءات سيطرت على علاقة الجانبين لسنوات طويلة لم تخل أبدا من أعمال العنف المتبادل بين الجانبين.


ويحذر فولك من أن «الشيطان دوما يكمن فى التفاصيل»، مشيرا إلى انه لا يستطيع أن يرى كيف ستوائم السلطة الفلسطينية بين التزاماتها الأمنية بالتعاون مع السلطات الإسرائيلية فيما يتعلق بتقديم معلومات حول ما تصفه إسرائيل بإرهاب حماس من ناحية وبين متطلبات حماس بوقف التعاون الأمنى من ناحية أخرى. ويقول «لابد من أن نتحسب حتى نرى كيف ستثير الأمور على الأرض».


ويضيف أنه حتى الآن فإن مسألة تحقيق الوحدة الفلسطينية مازالت مجرد حبر على ورق وانه «علينا ألا نبالغ فى إبداء التفاؤل بالنظر إلى تاريخ العلاقة والخلافات بين الجانبين».


الفخ الأمريكى والسياسات الإسرائيلية

ويحذر فولك من أن يكون التوصل لمصالحة فلسطينية بصورة أو أخرى هو «مقدمة» لتجاوب فلسطينى مع «الضغوط الامريكية» لبدء عملية تفاوض بغرض انهاء النزاع الفلسطينى ــ الإسرائيلى. ويقول انه لو قبل الفلسطينيون بذلك الآن يكونون قد وقعوا فى «الفخ» لأن معطيات التوصل لسلام عادل غير متوافرة.


«لا يوجد دليل أن إسرائيل مستعدة لاتخاذ ما يلزم» لتحقيق هذا السلام ، هكذا يقرر فولك، ويضيف أن «السياسات الداخلية الإسرائيلية ليست فى وارد التحرك نحو السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة فى حدود 1967».


ودلائل ذلك عند المقرر الأممى تتجاوز الاستمرار المتسارع الوتيرة والمتسع النطاق لعمليات بناء المستوطنات غير الشرعية إلى عمليات «التطهير العرقى الذى تمارسه إسرائيل فى القدس الشرقية» المحتلة بالقوة عام 1967.


وكان فولك قد أشار إلى ما تقوم به إسرائيل فى القدس الشرقية باستفاضة فى تقريره الذى رفعه إلى مجلس حقوق الإنسان فى شهر مارس والذى اشار بوضوح إلى استمرار تدهور الوضع الإنسانى بالنسبة للفلسطينيين من سكان القدس الشرقية جراء سياسات التطهير العرقى الذى تقوم به إسرائيل بهدف احداث تغييرات لا رجعة فيها فى التشكيلة الديموجرافية للمدينة المحتلة.


ولا يخفى فولك الخشية من انه إذا ما سارع الفلسطينيون للدخول فى عملية سلام جديدة فإنهم سيكونون هم من يتحملون فى نظر العالم تبعات الفشل المحتوم سلفا لهذه العملية بسبب عدم جاهزية السياسات الإسرائيلية للسير نحو السلام.


يذكر انه فى كل مرة فشلت المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية فى تحقيق الاتفاقات المأمولة بسبب المواقف الإسرائيلية فإن الجانب الفلسطينى هو كان من تقع عليه اللائمة لأن إسرائيل تجيد حملات الرأى العام وتستطيع دوما أن تروج لأن الجانب الفلسطينى هو الذى يغالى فى مطالبه.


المتغيرات الإقليمية

ولكن فولك لا يبدو يائسا تماما من احتمال حدوث تغيير فى الوضع الراهن، لأنه من ناحية، كما يقول، فإن التغييرات الإقليمية فى المنطقة، خاصة التغيير الذى حدث بمصر من ثورة، سيدخل تعديلات حتمية على المواقف السياسية للأطراف بما فى ذلك إسرائيل التى ستضطر لمراجعة سياساتها الخارجية.


من ناحية أخرى لا يستبعد فولك أن تحدث تغييرات سياسية، تالية ولاحقة، فى داخل إسرائيل نفسها بما يسمح بوجود قيادات إسرائيلية قادرة على اتخاذ المواقف السياسية اللازمة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين. «حتى الآن لا موشرات لذلك ولكن المعجزات السياسية يمكن أن تحدث»، يقول مبتسما.




متطلبات السلام


ولكن بحسب المفوض الأممى فإنه حتى مع هذه التغييرات فإن التوصل إلى تسوية عادلة فى الشرق الأوسط يتطلب بالضرورة تجاوز فكرة كون الولايات المتحدة الأمريكية هى الراعى العادل والمنصف لعملية التفاوض لأن الولايات المتحدة الامريكية نفسها، حسبما يشدد فولك المواطن الأمريكى، هى الداعم الأول والدائم لإسرائيل. «هناك تناقض واضح لا يمكن للمرء أن يغفله بين دور امريكا كداعم اول واساسى لإسرائيل ودورها كراع منصف لتفاوض إسرائيلى مع الفلسطينيين»، حسبما يشير فولك.


وبالرغم من بعض التصريحات الإيجابية التى بدأ بها أوباما عهدته، حسبما يضيف فولك، فإن حقيقة الأمور تقول إنه على أرض الواقع لا يوجد فارق حقيقى بين مواقف حكومة اوباما وتلك التى كانت إدارة الرئيس السابق جورج بوش.


«ربما لا اتمتع بقدر كافٍ من الذكاء ولكننى لا أستطيع أن أرى هذه الفروق،» يقول فولك وقد عاد للتهكم الرزين.




تقرير جولدستون


ويشير فولك إلى موقف الولايات المتحدة الأمريكية من تقرير اللجنة المستقلة التى ترأسها القاضى الجنوب افريقى ريتشارد جولدستون والتى ادانت الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينى خلال عدوان عملية الرصاص المصبوب حيث سعت ادارة اوباما للدفع نحو تجاهل دولى للتقرير «فيما يمثل انحيازا واضحا وليس موقفا متوازنا على الإطلاق».


فى الوقت نفسه يقول فولك إنه شعر «بالصدمة وليس بالذهول» عندما اصدر جولدستون منذ اسابيع قليلة تصريحات يقلل فيها من اهمية خلاصات التقرير المدين لإسرائيل، بالأساس، الذى اصدره عن الحرب على غزة.


ويرجع فولك موقف جولدستون إلى «مشاعر وصلات صهيونية» للقاضى جولدستون «كان من الصعب عليه أن يتجاوزها».


ويشير فولك إلى ما تردد من تكهنات حول ضغوط تمت ممارستها على جولدستون من قبل اسرته فى هذا الشأن، ولكنه يصر أن تراجع جولدستون لم يكن من حسن التصرف على الإطلاق لأن جولدستون لم يكتب هذا التقرير بمفرده، بالرغم من أن الإعلام نسب التقرير له، ولأن أعضاء اللجنة الآخرين الذين شاركوه كتابة التقرير رفضوا هذا التراجع وأكدوا التزامهم بكل ما جاء فى التقرير.


ويرى فولك أن الموقف المستحدث لجولدستون لا يغير من حقيقة أن التقرير هو أحد وثائق الأمم المتحدة ولا يغير من أساسيات ما جاء فى التقرير الذى اتهم إسرائيل كما تتهمها تقارير فولك بممارسة العقاب الجماعى ضد الشعب الفلسطينى وبانتهاك حقوق المدنيين تحت الاحتلال.


لكن خطورة ما قام به جولدستون، حسبما يلفت فولك الذى يعيش فى ولاية كاليفورنيا المشمسة على الساحل الغربى للولايات المتحدة الامريكية أنه، فتح الباب أمام مطالبات بالكونجرس لأن تتحرك الادارة نحو مطالبة الأمم المتحدة برفع التقرير من وثائقها.


وكان فولك كثيرا ما لام فى تقاريره على السلطات الإسرائيلية عدم الاهتمام بالتحقيق واتخاذ مواقف قانونية واضحة إزاء ما تضمنه تقرير جولدستون من خلاصات، مشيرا إلى أن إخفاق إسرائيل المستمر فى التعامل مع هذا التقرير «يقوض من القانون الدولى ومن أساليب الحل السلمى للنزاعات». كما أن فولك قد وصف حرب الرصاص المصبوب بأنها جريمة حرب «من أشد الدرجات».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق