إن صح ما تناقلته مصادر الأنباء من رفض دويلة الإمارات استقبال رئيس وزراء مصر بسبب اعتراض عيال الأسرة الحاكمة فيها على إعمال حق شعب مصر في مساءلة حكامه المفسدين في الأرض، فلا يجب التغاضي عن الأمر وكأن شيئا لم يحدث.
فهذا التطاول ليس إلا قمة جبل جليد مكيدة الرجعية العربية ضد ثورة شعب مصر، وضد المد التحرري في عموم الوطن العربي. فلن تترك الرجعية العربية، بقيادة المملكة السعودية، المد التحري في عموم الوطن العربي ينتصر قاضيا على أسس الحكم التسلطي المتحالف مع المشروع الغربي- الصهيوني في المنطقة العربية من دون مقاومة، وليست السعودية والإمارات وباقي دويلات الخليج الاستبدادية بمنأى عن المد التحرري العربي الذي يزلزل أركان الحكم التسلطي فيها حتى قبل أن يشتد عوده فيها. ولن تنجو القلعة أو المخلب الإماراتي من انتصار المد التحرري فيهما إيذانا ببسط دولة الحرية و الكرامة الإنسانية على عموم الوطن العربي من الماء في الغرب إلى الماء شرقا على ضفاف الخليج والجزيرة، فقد نفذ السهم ودولة الحكم التسلطي في كل البلدان العربية كلها إلى انقضاء وشيك.
ومن الضروري هنا التأكيد على أن الثورة على الحكم التسلطي ممتدة على الصعيد العربي الواسع، ومتآزرة، فالاحتجاج الشعبي في أي قطر يستمد الإلهام والعون المعنوي من انتشار المد التحرري في عموم الوطن، ويشتد أزره بانتصار قوى التحرر في بعض أمصاره.
والمؤكد أن شكل الانتصار على الحكم التسلطي سيتفاوت من بلد عربي لآخر حسب الخصوصيات، فسيأخذ شكل جمهورية برلمانية في البعض، وملكية دستورية في البعض الآخر، كما نري عددا من أنظمة الحكم التسلطي يهرول بطرح مثل هذه الإصلاحات بوتيرة متسارعة مع تصاعد الحراك الاحتجاجي، أو لدرء تفاقمه، كما في الجزائر والمغرب والبحرين. ولكن في جميع الأحوال، يبقى القرار للشعب الذي ثار وأصبح عصيا على التدجين مرة أخرى.
وعلى دوائر الثورة التحررية العربية توقع أحط المكائد من هذا المعسكر المعادي لحقوق الشعوب العربية في الحرية والكرامة الإنسانية. ومن المهم فهم أن المملكة السعودية تمثل قيادة هذا المعسكر وقلعته الحصينة، غير أن هذا لا يمنع من أن تلعب دويلة أصغر رأس حربة الكيد للثورة التحررية العربية.
ويتصل بهذه الإهانة النزقة لمصر أن تقوم دويلة الإمارات، ووزير خارجيتها الغِر، بقيادة المبادرة الخليجية في اليمن المضادة لثورة الشعب هناك، وهدفها الأساس هو حماية الجلاد على عبد الله صالح من المساءلة من قبل شعبه حتى لا يستقر في الجزيرة العربية مبدأ محاكمة الحكام الطغاة. ولا ينفصل عن هذا المسعى الخبيث استضافة دويلة الإمارت والمملكة السعودية لجلاد تونس الفار وعائلته بما نهبوا من ثروة تونس وشعبها، وكون دبي كذلك مقصد كل المسئولين المصريين الهاربين، ولو في الطريق إلى مقصد هروب آخر، كما في حالة رشيد محمد رشيد وحسين سالم. ويرتبط بالمكيدة نفسها ضلوع أميرة سعودية، هي ابنة رئيس المخابرات السعودية، في تهريب كمية ضخمة من المقتنيات الثمينة للمجرم الهارب نفسه. ويتصل بعقلية الصغار هذه ما تردد من مضايقات للمصريين في دويلة الإمارات بخصوص تأشيرات الإقامة والعمل.
بداية، يتعين رفض العودة إلى سياسة إسدال ستار التعتيم على مايعتبره المسئولين في مصر أخبارا غير سارة. فللشعب، مصدر السيادة وجميع السلطات، الحق في المعرفة، وليس من حق أحد أيا كان مسئولا أو إعلاميا فرض الوصاية على حق الشعب في المعرفة.
ولا تقع مسئولية هذه الإهانة بالغة الصغار لمصر فقط على العائلة الحاكمة في دويلة الإمارات. بل تقع المسئولية في الأساس على الرئيس المخلوع ونظام حكمه البائد الذي أسقطته ثورة شعب مصر، فقد حط المخلوع ونظامه من مكانة مصر وقيمتها في الإقليم والعالم، وأدمجها من موقع تسول في معسكر الرجعية العربية المتحالفة مع المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وحيث لم يكن يملك إلا مكانة مصر فقد قلل منها منبطحا ومزايدا في خدمة العدو الصهيوني ومتسولا المال من شيوخ الخليج والجزيرة، مفقدا مصر إبائها وعزتها، حتى تطاول عليها الأقزام والصغار. وهذه جريمة أفدح كثيرا من جرم نهب المخلوع وعائلته وبطانته الأموال الهائلة من عرق شعب مصر ودمه، والتي كان يجب على حماة ثورة شعب مصر أن يؤسسوا نظاما للعدالة الانتقالية الناجزة للمساءلة عن مثل هذا الجرم التاريخي الذي لا تتيح القوانين العادية عقابا عليه.
وليس الكاتب ممن يدعون إلى ثأرية جموح، كما يؤمن بضرورة التكامل العربي، حتى التوحد، سبيلا لمشروع للنهضة الإنسانية في عموم الوطن العربي. إلا أن السبيل الأهم لتلك الغاية السامية هو الحرص على المد الثوري التحرري الراهن في مجمل البلدان العربية. ومن ثم، فإن الحرص على نيل غايات ثورة شعب مصر، وحماية المد التحرري العربي، يتطلب ألا تمر الإهانات لكرامة مصر والمصريين من دون حساب، وإن كان في سياق الحرص على الأخوة المؤسسة على الاحترام والتقدير المتبادلين حتى يستقر الحق ويسود الوئام.
والاقتراح هنا، إن استمرالمسلسل الطفولي لمضايقة المصريين في الدويلة التى نست قدرها وقدر مصر في غفلة من الزمن، وفي ظل حكم تسلطي حقير أسقطته ثورة شعب مصر إلى غير رجعة، أن تعلن السلطات المصرية أن أعضاء العائلة الحاكمة في الإمارات، وليس باقي الشعب، أشخاصا غير مرغوب فيهم على أرض مصر، إلى أن يثوبوا إلى رشدهم. ولن يثوبوا إلا بعودة مصر إلى سابق مكانتها، باكتمال ثورتها وتمام المد التحرري في الوطن العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق