دخلت مصر إلى دائرة الجدل الأجوف: مؤيد ومعارض.. رافض ومستفيد.. ميدان التحرير ضد ميدان مصطفي محمود.. ما هذا التهريج وما هذا التسطيح؟ إنها نفس معارك التصنيف البيزنطية التي نمارسها في جميع القضايا.. مع أن مصر اليوم في أشد الحاجة إلى أن نؤيدها كلنا، ولأن تمضي الخطوات بما يحقق مصلحتها، فلا أظن مثلا أن هناك مصريا واحدا يرفض طلبات حركة 25 يناير وكلها كانت بالنسبة لأجيال سابقة من الأحلام، بكل ما في الحلم من خيال وأمل وانتظار وشغف.
من يرفض حزب هذا الجيل الشاب الذي يحب وطنه ويمتلك قدرا هائلا من الانتماء المخزون.. هذا الجيل الرائع والشجاع، الذي يؤكد لكم كل يوم أن مصر قد تنتظر، وقد تصبر، وقد تتثاءب، وقد تتباطأ، وقد تصمت، وقد تنسى، وقد تتناسى، لكنها أبدا لا يغلبها النعاس ولا يهزمها النوم، ولا تعرف اليأس، ولا يمكن أن يسلب وعيها ولا يمكن أن تسلب إرادتها.. ولا يمكن أن تقهر.
ملايين من أبناء الشعب المصري يؤيدون تغيير الدستور، والانتخابات الحرة النزيهة، وإلغاء قانون الطوارئ، وتداول السلطة، وأن تكون الشرطة في خدمة الشعب.. من يرفض ذلك؟ هؤلاء الملايين يمثلون الأغلبية التي كانت صامتة، ولكنها لن تصمت مستقبلا دفاعا عن مبادئها ومكاسبها ومستقبل أولادها.. ففي الأيام القادمة ستكون بطاقة الانتخاب أهم من بطاقة التموين، وأعني ما أقول، فعندما تحكمنا بطاقة الانتخاب الحر النزيه يكون شعب مصر قد استرد وطنه، وسيعود مشاركا في الحياة السياسية.. التي ظلت مزيفة، بمبررات مختلقة وبأسباب مختلفة.
حين نقول الآن إن مصر في خطر يقفز البعض على الجملة، محاولا الإيحاء بأن الخطر مصدره الشباب، أو ميدان التحرير أو الأحزاب والحركات السياسية، أو إسرائيل وأمريكا، أو إيران، وهي أحزاب وحركات ودول لها مصالحها، لكن في النهاية يبقى الأمر في يد الشعب المصري.. هو الذي يقاوم ويرفض من لا يريده بمنتهى الحرية والديمقراطية، ومن السهل تفسير أسباب الإيحاء بتلك الأخطار، وهو نفس الفهم العقيم لأسلوب الخطاب مع الناس، أسلوب تخويفهم بقصص الشياطين والسحرة والجن، في ترسيخ ساذج بأننا ضعفاء جدا، شعب ضعيف، غير قادر على مواجهة هؤلاء.. ثم ألا ترون أن تزوير انتخابات مجلس الشعب، وعدم تداول السلطة، والقضاء على أجيال كاملة من شباب السياسيين والإداريين وعدم احترام كرامة المواطن، وغياب الشعور بالعدل والمساواة، وخوف الإنسان البسيط من خيال أي رجل أمن.. ألا ترون أن تلك كلها كانت أيضا أخطارا عظيمة؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق