الخميس، يناير 06، 2011

هنعيد يا أبونا ؟

 
كنت أحاول الاستماع إلى كلمات يقولها الأنبا يؤانس أمام كنيسة القديسين، كانت الجموع الملتفة حوله تحول بينى وبين الاقتراب منه أكثر، في مواجهتى تماما كانت تقف سيدة فى الثلاثينات ترتدى السواد، شعرها الفاحم المشدود الى الخلف يزيد من اتساع عينيها، نظرتها موجعة وصوتها أشد إيلاما، كانت تردد بصوت مرتفع (هنعيد يا أبونا؟) كان السؤال يحمل داخله أمنية أن يرد عليها أبونا معلنا إلغاء العيد لكنه لم يرد وهى لم تيأس من الإلحاح.
أنا يأست من وصول صوت أبونا إلى سمعى وشعرت برشات المطر الخفيفة تتسلل من ملابسى إلى ظهرى. فآثرت السلامة ودخلت الكنيسة لأحتمى من المطر، المرة الاخيرة التى وقفت فيها تحت المطر كانت فى الحج عندما أديت صلاة العصر فوق سطح الكعبة تحت مطر كثيف ترك أثرا مؤلما على عظام ظهرى مازلت أذكره.
ساعدنى فى الدخول الى الكنيسة رجلا يحمل فى يده صليبا ملفوفا بملاءة ملطخة بدم الشهداء، قال لى (ادخلى عشان تشوفى عملوا إيه فى كنيستنا ، ادخلى انتى أختنا).
دخلت معه وجلست على إحدى درجات السلم الواقع فى منتصف المدخل المؤدى إلى الأدوار العليا وجلس بجوارى سألته (انت عرفت ازاى إن أنا مسلمة؟) قال (أنا باقولك انتى أختنا واحنا نحميك مش ممكن نؤذيكى) قلت (ماشى بس باقولك عرفت ازاى؟ مافيش أي حاجهة فى شكلى تدل على دينى) قال (انتى قلت للستات بره انك مسلمة) قلت له ( لأ هم كمان عرفوا انى مسلمة من غير ما يسألونى.. عايزة اعرف ازاى؟ ممكن تفهمنى؟) قال (إنتى زعلانة ليه؟ انا قلت لك إنتى أختنا)
اختنق صوتي (أنا مش زعلانة، انا عايزة أعرف، إيه الحاجة المختلفة فى شكلى، حقيقي مهم جدا إنى أعرف)
قال لى ( انتى أختنا، تعالى بعيد عن السلم عشان المطر)
انتبهت إلى أن المكان الذى اخترته للاحتماء من المطر كان مفتوحا على السماء مباشرة، وانتبهت أيضا إلى أن ظهرى أصبح الآن مبتلا بما يكفى لايلام عظامى.
لا أذكر عدد المرات التى حضرت فيها الاحتفال بمولد "العدرا" من كثرتها، ولا عدد المرات التى أضأت فيها الشموع أمام صور المسيح والعدرا، ورغم أني أجهل الطقوس تماما واكتفى بقراءة الفاتحة همسا، والوقوف عندما يقف الجميع والجلوس عندما يجلسون، رغم ذلك لم يحدث أبدا أن انتبه أحد أو اهتم أو سأل أو قال لى "انتم"، فماذا حدث؟ هل أصبح فجأة شكل المسلم مسلم وشكل المسيحى مسيحى؟
فى الثمانينات كنت أذهب وراء احداث الفتنة فى صعيد مصر لأكتب عنها، وكنت أكره ضابط الشرطة الذى يسألنى قبل أن يتكلم معى (اسمك نجلاء بدير إيه؟)
لم أتصور أبدا إنه سيأتى يوم يعرف فيه الناس ديانة بعضهم البعض دون أن يسألوهم عن أسمائهم بالكامل.
على فكرة.. أنا أيضا أصبحت قادرة على الفرز.. أنا التى سألت سنة 84 بمنتهى الثقة عن زميل انضم إلى مكان عملى السؤال التالى (بيقولوا جميل كراس الجديد ده دفعتى، مش قادرة افتكره يمكن كان من الجماعة الاسلامية؟، كانوا بيمشوا مع بعض لوحدهم طول الوقت؟)
بالطبع لم أكمل السؤال عندما ضج زملائى بالضحك.
أنا أيضا أعرف الآن كيف أفرز المسلم من المسيحى، ومع ذلك مازال يحيرنى السؤال كيف عرفوا إننى مسلمة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق