مار أزرق يعلو فستانها البنى، جلست «رشيدة» إلى جوار «أنوار» بجلبابها الأسود على الرصيف المواجه لدار القضاء العالى.. الأولى جاءت من حى عين شمس بالقاهرة، والثانية من مركز العياط بـ٦ أكتوبر دون أى معرفة بينهما، ليتكفل الرصيف بهذه المهمة، خاصة بعد أن قررت كل منهما أن تنتظر الرئيس مبارك، الذى توجه لدار القضاء العالى ليلقى خطاباً صباح أمس، بمناسبة يوم القضاة، يملؤهما الأمل أن يتمكنا من عرض مشكلتيهما عليه طلباً لحلهما.
لا تحلم «رشيدة» بأكثر من علبة دواء تكمل بها علاج مرض السرطان، الذى أجبرها على إجراء ٣ عمليات جراحية، قبل أن تلجأ للعلاج الكيماوى. «رشيدة» ترى ذلك الدواء أكبر أزمة لها فى الحياة، ولذلك حملت طفلتها الصغيرة على كتفيها ومعها الأوراق التى تثبت مرضها لتعرضها على الرئيس مبارك، أملاً فى المساهمة فى علاجها، خاصة أن زوجها عامل بسيط فى السكك الحديدية وكانت تعمل لتساعده قبل أن يقعدها المرض.
تمد «رشيدة» بصراً زائغاً فى اتجاه الحواجز الحديدية، التى أغلقت الطريق المؤدى لدار القضاء، وأغلقت بدورها باب الأمل فى لقاء الرئيس قبل أن تقول: «كان نفسى الريس يسمعنى ويساعدنى فى صرف الأدوية، بس هاعمل إيه!.. الحمد لله».
الأمل نفسه تلاشى فى وجه «أنوار» الريفية، التى لا تطلب أكثر من ٦٥ جنيهاً لعلاج ابنتها. جلست على الرصيف نفسه معلقة عينيها بطوابير الأمن المركزى، التى تراصت فى شارع ٢٦ يوليو بقلب القاهرة، وشبح باهت يتراقص أمام عينيها لابنتها، التى تعانى حصوة بالكلى ولم تكمل بعد عامها الواحد والعشرين.
استعدت بكومة أوراق بين يديها، وأعادت فى سرها ترديد الكلمات، التى ستلقيها على الرئيس: «مش عايزة أكتر من ٦٥ جنيه أجيب بيهم علاج للبت»، غير أن موكب الرئيس مر كالبرق مخلفاً وراءه ضباط الشرطة الذين علت الدهشة وجوههم وهم يشاهدون دموعها تغرق خديها بعد أن فشلت فى لقاء الرئيس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق