الأحد، يناير 22، 2012

خلاص..


التحرير

نجلاء بدير


اسمها مى، تقترب من الأربعين، أستاذة فى كلية الطب، متفوقة -كانت وما زالت- دراسيا، جميلة جدا، تتمتع بحضور قوى، وقدراتها على التعبير عن نفسها بطريقتها الخاصة عالية. زوجة لطبيب مثلها وأم لطفلين فى أرقى مدارس اللغات، أصولها العائلية وأصول زوجها ثرية.

هذه تقريبا أهم الصفات الشكلية لمن قررت أن أكتب عنها منذ رأيتها، لأنها فى اعتقادى واحدة من الثوار الحقيقيين رغم أنها كانت فى الصفوف الخلفية دائما.

اعتبرتها ثائرة حقيقية لأنها تغيرت شخصيا تغيرا ثوريا مفاجئا ثم استمرت، لم تتراجع أبدا حتى اللحظة، رغم أن كل ما حولها يدعوها للتراجع. وجودها يطمئننى أنه لا بد أنه يوجد مثلها الكثيرون لا نعرفهم لأنهم بطبيعتهم وبظروفهم فى الصفوف الخلفية.

قالت لى مى:

«مفاجأة شخصية بالنسبة لىّ أنا نفسى، إنى أصبحت كده، أصبحت جزءا من حاجة كبيرة برّه نفسى، أنا حاسة كده دلوقتى. أنا كنت طول عمرى حاسة إنى بعيدة عن الناس، شايفة إنهم فقرا وتعبانين وعيانين ومظلومين، لكن كمان شايفة إن المشكلة فيهم، أنا باعمل اللى علىّ وباشتغل وناجحة، كتير كنت باحس إنهم صعبانين علىّ لكن أعملهم إيه دى مشكلتهم دول ميتين بالحيا. مشكلتى أنا أحلها بطريقتى.

أنا كنت باتابع الصحافة والإعلام وعلى الفيسبوك والتويتر، كنت باتابع كويس، جزء من إنى لازم أبقى عارفة، لأنى متفوقة ومايصحش أبقى جاهلة.. بس.

كان فى خطين من المتابعة بيعملوا تراكم معيّن جوّايا.. كتابات عبد الحليم قنديل كنت بانبهر بشجاعته ووضوحه، والخط التانى متابعتى لمصطفى النجار، ما اعرفوش شخصيا لكن كنت حاسة إنه زيّنا إنسان عادى مش زى عبد الحليم قنديل وكنت عارفة إنى ممكن أتكلم معاه، وممكن أعمل زى ما بيعمل. كل اللى على تويتر ناس حقيقية وعايشة وسطنا وممكن نكون زيهم مش زى الكتّاب والإعلاميين. اللى زى مصطفى النجار خلى سؤال يظهر جوايّا هو ليه أنا بافكّر فى نفسى بس كده؟ ليه أنا خايبة كده؟ ليه مش قادرة أكون مفيدة زى الناس دى مع أنهم ناس زيّى؟ أعتقد من هنا بدأت أتغير بالتدريج.

لما قُلت لجوزى إنى هانزل فى 25 يناير كان مش مصدقنى، هو مهتم أكتر منى، وكان فاقد فىّ الأمل، ونزلت معاه ومعانا واحدة صاحبتنا، فى الأول رحنا عند دار القضاء العالى لقينا نفس الناس هىّ هىّ، والأمن المركزى هوّ هوّ، حسيّنا بالإحباط.

لما رحنا التحرير بعدها وشُفنا الآلاف جاية من كل مكان بشكل عمرى ما تصورته وكلهم بيهتفوا هتافا واحدا، حسيت بجد لأول مرة إنى أنا لىّ بلد، ماكنتش أعرف الإحساس ده أبدا، وكنت مقدمة على هجرة لكندا، فى لحظة وأنا عندى أربعين سنة حسيت إنى لىّ بلد وإن الأرض دى بتاعتى، الحتة دى من الأرض فى ميدان التحرير بتاعتى ومستعدة اموت عشان احميها.

الآلاف حواليّا ما اعرفهمش لكن حاسة إنهم دول أهل بلدى أول مرة وانا عندى أربعين سنة أحس بأهل بلدى، إحساس مش ممكن يتوصف.

كان موجود أبو العز الحريرى بس كان بعيد عنى، جوزى يعرفه من الجرايد يعنى، وكان موجود جمال فهمى أنا عارفاه من التليفزيون، رحنا سلمنا عليه وقلنا له إحنا صح.

يومها جرينا من رش الميه ورجعنا تانى وجرينا من الضرب ورجعنا، ونزلنا يوم 28 وانضربنا بالغاز عند الشيراتون وشفنا الناس بتدّهس بالعربيات واستخبينا ورا عمود، وعدّينا الكوبرى.

وخلاص. أنا مش عارفة إزاى ماكنتش خايفة ساعتها، وخلاص.. مهما حصل بعد كده أنا مش خايفة. ومش هاقدر أفرط فى الشعور اللى حسيته أيام الثورة. مهما حصل».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق