السبت، ديسمبر 10، 2011

«التحرير» تنشر نص المقال للكاتب روبرت سيربنبرج الذى يكذب فيه المصرى اليوم


التحرير


جريدتى الفورين بوليسى والاندبندنت


في الـ7 من ديسمبر، نشرت «المصري اليوم» أكبر الجرائد المصرية الخاصة توزيعا، افتتاحية غير موقعة، بعنوان «الإندبندنت البريطانية تنشر مقالا مفبركا عن المصري اليوم». واتهمت الجريدة في الافتتاحية مراسل الاندبندنت في القاهرة ألاستير بيتش، بأنه على علاقة بأجهزة استخبارات غربية. ادعت الجريدة أيضا أنني، وأنا أستاذ بمدرسة ما بعد التخرج في البحرية الأمريكية في مونتيري، في كاليفورنيا، بالسعي لتدبير انقلاب في مصر.

كان المراسل بيتش هدفا لهذه الادعاءات السخيفة، نتيجة لتغطيته لرقابة المصري اليوم على مقالا طلب مني كتابته رئيس تحرير الجريدة الأسبوعية الجديدة الصادرة بالإنجليزية عن المصري اليوم، والتي يطلق عليها على نحو مثير للتناقض الإيجيبشن إندبندنت «الإندبندنت المصرية».

ومقالي الذي كان من المفترض أن يصدر في الطبعة الثانية من عدد الأول من ديسمبر لهذه الجريدة الأسبوعية ، كان يشير إلى الصورة المفضلة عن الجيش المصري، كما نقلتها العديد من استطلاعات الرأي التي صدرت منذ 11 فبراير.

ومضى المقال إلى الدفع بأن المشير محمد طنطاوي، قائد البلاد الرسمي منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، لن يكون حكيما إذا فسر بيانات هذه الاستطلاعات على أنها تدعم حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وبيانات الاستطلاعات المتوفرة ترجح أن صورة المجلس العسكري أقل تفضيلا بكثير من صورة الجيش، وفي حقيقة الأمر، في تدهور حاد.

واستنتجت أن التهديد الضمني ضد الحكم المدني الذي لوح به المشير طنطاوي عبر بالونة الاختبار التي أطلقها في خطابه يوم 22 نوفمبر، والتي أشارت إلى احتمال إجراء استفتاء على الحكم العسكري، يمكن أن تأتي بمردود عكسي عليه.

ليس فقط العديد من القوى السياسية المدنية سينتابها الشعور بالفزع من عمل كهذا يسعى لتمديد حكم المجلس العسكري، بل إن ضباط الجيش يمكن أن يرفضوه كذلك، لخوفهم من أن يتسبب هذا الأمر في تدمير سمعة مؤسستهم. وهذا الدفع لم يكن مجرد توقع، لكنه مبني على دليل مادي على هذا التأثير المحتمل.

أشرت أيضا إلى رفض واشنطن الصريح لتمديد الدور السياسي للمجلس العسكري، وهناك على سبيل المثال بيان للبيت الأبيض في 25 نوفمبر يطالب بتمكين الحكومة المصرية الجديدة فورا بصلاحيات حقيقية.

كانت هذه الملاحظات التي أسفرت عن تعرض المقال للرقابة، عن طريق مجدي الجلاد، رئيس تحرير المصري اليوم. لا أعرف ما إذا كان فعل هذا بأوامر مباشرة من المجلس العسكري أم لأنه توقع رد فعل سلبي من الجنرال طنطاوي.

ما قيل لي هو أن رئيس التحرير المذكور، معروف بعلاقته الوثيقة مع الجيش وأجهزة المخابرات. «تمثل رد الإيجيبشن إندبندنت الشجاع على الواقعة برفض إصدار طبعة أخرى من أسبوعيتهم حتى حصلوا على الحرية التحريرية من المصري اليوم»

وأيا ما يكون قد حدث وراء الكواليس، فالرقابة ترجح وجود حساسية واضحة بشأن قيادة ودور المجلس العسكري، وعلاقاته بالجيش بأكلمه. لابد أن الجنرال طنطاوي يدرك أن وجوده على رأس كل من المجلس العسكري والجيش «في الواقع، على البلد بأكمله، في هذه اللحظة»، محفوف بالمخاطر. فقد كان لسنوات أداة مبارك للسيطرة على الجيش.

الإجراءات التي وظفها ـــ ومن بينها ترقية غير الأكفاء على حساب الأكفاء، وتقليل التدريب وحالة الاستعداد العام، وإعادة توجيه مجهودات المؤسسة «العسكرية» الأساسية إلى الجانب الاقتصادي بدلا من العسكري، ونشر عدد كبير من المحاسيب للاحتفاظ بالولاء له، هذه الإجراءات أسفرت عن جيش من الضباط المدللين، لكن أيضا جيشا يكن في داخله مشاعر غضب عميقة.

ومشاعر الغضب هذه زادت سوءا إلى حد كبير عن طريق سوء إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية، وبخاصة نشر وحدات عسكرية للسيطرة على المتظاهرين، والترهيب الصريح وحتى قتل المتظاهرين، وتحويل القواعد العسكرية إلى منشآت للاعتقال.

ومع ازدياد حدة الضغوط السياسية على المجلس العسكري، يصبح السؤال هو ما إذا كان أعضاء المجلس العسكري يمكن أن يسعى إلى الدفاع عن مصالح المجلس والجيش من خلال الإطاحة بطنطاوي، تماما مثلما أطاح طنطاوي بمبارك.

وعلاوة على كل هذا، فالرجل الثاني هو رئيس الأركان الجنرال سامي عنان، الذي تبدو سمعته الجيدة، مازالت لم تلوث بشكل كبير بأفعال طنطاوي والمجلس العسكري الخاطئة.

ما الذي يمكن أن يثير انقلابا داخليا؟ التذمر داخل صفوف الضباط، مع الخوف المتنامي من وجود ميل للتيار الإسلامي بين القيادات، وبخاصة في أعقاب الفوز الانتخابي للإخوان المسلمين والسلفيين، عوامل محفزة للمجلس العسكري للانقلاب على طنطاوي، خشية أن ينقلب الجيش، ربما كان هذا في صورة تحالف مع الإسلاميين، على المجلس العسكري.

وباختصار، الضغط السياسي على طنطاوي، الذي تصاعد الآن بنتيجة الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية ومحاولة المجلس العسكري الفورية لتجريد البرلمان من السلطة حتى من قبل أن يتم اختياره، سبب كافي ليغضب أي شخص، وكذلك كونه كان مدير مبارك لاقتصاد الجيش، وهو مشروع واسع يشمل مصانع ومخابز وأعمال أخرى، لأكثر من عقدين، وبالتالي هي أشياء كثيرة يصعب إخفاؤها، يمكن أن تجعله يفكر فيما إذا كان يمكن أن ينتهي به المطاف على الجانب الآخر من القفص مع زعيمه السابق.

لكن الرقابة الخرقاء ببساطة تزيد مشاكله ومشاكل المجلس العسكري سوءا. من دروس الربيع العربي أن الأنباء تسافر سريعا جدا الآن. ففي غضون ساعات على منع الـ20 ألف نسخة من الطبعة الثانية لـ«الإيجيبشن إندبندنت» انتشرت القصة ليس فقط في مصر، بل في أنحاء العالم، ويشهد على هذا المقال المنشور في الإندبندنت اللندنية.

الأمور لم تكن في المعتاد تدار بهذه الطريقة. والناشر السابق للمصري اليوم، هشام قاسم، وهو رئيس سابق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، اصطدم منذ عدة سنوات بمالكي الجريدة حول موضوعات تتعلق بالحرية التحريرية، وقد استقال.

ومالكو الجريدة الذين يبدون ليبراليين، ومن بينهم نجيب ساويرس، مؤسس الحزب المسمى بشكل خاطئ، المصريين الأحرار، لم يكون ظهر حينذاك تبنيهم للرقابة، وهو ما يرجح أن التعزيز القوي لتدفق المعلومات على مدار السنوات الـ3 أو الـ4 الماضية «وفي الواقع شجاعة صحفي الإيجيبشن إندبندنت تقدم مثالا متواضعا على هذا»

لكن هناك بعض التعقيدات المقلقة هنا أيضا. وأنه حتى المصريين المحسوبين على الجانب الليبرالي للطيف السياسي في البلد يستخدمون نفس الإشاعات عن المؤامرات والجواسيس من الخارج لضرب مصداقية هؤلاء الذين يخشون من آرائهم يمكن أن تزعج اللاعبين الأقوياء، أمر لا يبشر بالخير عن عملية انتقالية ممكنة نحو نظام سياسي أكثر ليبرالية.

وعندما يتعلق الأمر باللاعب الأقوى وهو المجلس العسكري، فإن الأمور بالغة الحساسية بالنسبة له، وردود فعله المبالغ فيها، وازدواجيته الصريحة ترجح أن كلا من التزامه وقدرته على إدارة عملية انتقال ناجحة في محل شك خطير.

إن تصرفاته «المجلس العسكري» الخاطئة للأسف لا تهدده وزعيمه فقط، بل نزاهة الجيش، ناهيك عن الاستقرار ورفاهية البلد ككل. وهذا بدوره يمثل تحديا هائلا بالنسبة إلى واشنطن، المحاصرة الآن بين مجلس عسكري غير كفء وحكومة إسلامية من المحتمل أن تكون معادية، ومن دون أي خيار آخر تلجأ إليه في ظل الضعف السياسي الواضح لليبراليين العلمانيين.

وختاما، فإن هناك الكثير من الأخبار السيئة في القاهرة، لكن الرقابة لن تمنعها من الخروج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق