نوارة نجم
عدت فى وقت متأخر إلى المنزل ولا أعلم إن كان قد تم إنشاء صفحة على الفيسبوك بعنوان «كلنا علاء سيف»، لكن لو أنشئت فسأطلب من أى صديق متمكن من برمجة الحواسيب أن يخترق الصفحة. ذلك لأننا لسنا كلنا علاء سيف.. الشهادة لله.
ليس كلنا قادرا على أن يعلم باستدعائه إلى النيابة العسكرية على خلفية اتهامات خطيرة وهو مسافر خارج البلاد، فيعود على الفور، لكن، وإحقاقا للحق، أغلبنا كان سيعود. ليس كلنا قادرا على اتهام جهة التحقيق، لكن ربما نصفنا كان سيفعل ذلك. ليس كلنا قادرا على رفض الإجابة عن أسئلة جهة التحقيق وهو يعلم أن ذلك سيؤدى إلى قرار حبسه، بينما هو ينتظر ميلاد ابنه الأول بعد أيام.. دى بقى ما يعملهاش إلا علاء سيف، ولسنا كلنا علاء سيف.
أخذت أفكر وأفكر.. كيف يشعر الآن الضابط الذى وقف أمامه علاء سيف قائلا: لست بمجيب عن سؤال من أسئلتكم، لأنكم جهة تحقيق عسكرية وأنا مدنى، ولا يحق لأى جهة غير مدنية أن تحقق معى، كما أنكم جهة متهمة بالتورط فى الأحداث، فكيف يحقق معى الخصم والمتهم؟
لا بد وأن الضابط كان يطالع علاء سيف وهو يلعن أساتذته الذين أقنعوه بأن مصدر الرجولة هو حلاقة الشعر. أذكر فى أحداث السفارة الإسرائيلية الأولى 15 مايو 2011، حين قال الضابط للشباب المصرى: كله على ركبه، وجذب بعض الشباب من شعرهم قائلا: «حتحرر فلسطين بشعرك ده يا….؟!» سبحان الله يا ح الضابط، لو الرجولة بالحلاقة كان بان عليك أماراتها. طيب.. كيف يشعر الضابط سائق المدرعة المرتبك، الذى أدى ارتباكه إلى قتل الأبرياء حين يرى مدنيا أعزل يقف أمام النيابة العسكرية بثبات ويرد اتهاماتهم إليهم ولا يخشى السجن؟
طيب.. كيف يشعر أولئك الذين لا يحترمون الشيب فى رؤوسهم ويروجون الأكاذيب ويخادعون شعبا بأكمله وهم يقفون أمام شاب فى سن أحفادهم لينبئهم بأنه يراهم عراة؟
قبل وصول علاء سيف إلى القاهرة بيوم، كنت فى مشرحة زينهم لتشييع جثمان عصام عطا، وكانت الدكتورة ليلى سويف، والدة علاء سيف، تبكى وهى تقول لى: الناس دى ذنبهم فى رقبتنا. لكننى لم أكن أعلم بأنها تبيّت النية للتضحية بابنها الوحيد فى محاولة لإنقاذ البلاد من المحاكمات العسكرية التى أصبحت تقتل الناس. لم أكن أعلم أن منى سيف هى أخت علاء سيف، وهى عضوة فى حركة «لا للمحاكمات العسكرية» التى تزداد ذبولا يوما بعد يوم من جراء معايشتها مآسى الفقراء الذين يقدمون إلى المحاكمات العسكرية، لم أكن أعلم أن منى تعرف بما يبيّت له علاء سيف.
يا خويا، اجتمعت العائلة، واقترح المحامى والحقوقى الأستاذ أحمد سيف الإسلام والد علاء اقتراحين: إما أن يسير التحقيق فى مساره الطبيعى، وسيضمن ذلك إخلاء سبيل فوريا. أو تقرر أن لا تجيب عن أسئلة المحقق العسكرى، ربما يعرضك ذلك للحبس، لكن قد ينقذ آلاف المواطنين من التعرض إلى المحاكمات العسكرية.. قلت إيه؟ فقال علاء قولة الحق، وهو يعلم أن ذلك ربما يحرمه حضور ولادة ابنه الأول، الذى قرر أن يطلق عليه اسم «خالد» تيمنا بالشهيد خالد سعيد.
لا أملك ولا أعرف فعل شىء سوى أن أكرر اتهام علاء سيف للجهات المحققة بتورطها فى أحداث ماسبيرو. أنا وهو وآخرون نتهم القوات المسلحة المصرية فى مذبحة ماسبيرو، بل ولتورطها فى إشعال فتنة الطائفية، ولتصميمها على تجاهل «الطرف الثالث» الذى كان يطلق الرصاص، وشهادة الشهود، وإطلاق الرصاص من طرف ثالث، لا يبرئ القوات المسلحة المصرية، بل يؤكد تعاونها مع أجهزة وجهات أخرى لإحداث هذه البلبلة، وإلا، فمن يفسر لى تعمد القوات المسلحة الإشارة إلى الجهات التى أطلقت الرصاص دون البحث أو التحقيق فى ذلك الأمر، بينما تستدعى، فى ذات الوقت، واحدا من أشرف وأنبل شباب مصر، لتحقق معه بناء على بلاغ قدمه شخص مخنث، من نكد الدنيا علينا أن تستخدمه القوات المسلحة المصرية فى شن حملات مضادة للثورة وتقديم بلاغات فى النشطاء، أقول من نكد الدنيا، لا لوجود ذلك المخنث فى حياتنا، بل لأن قواتى المسلحة المصرية، تلبسنى ثوب العار وتتعامل مع ذلك البهلوان.
نعم، أقرّ أنا الموقعة أعلاه، بأننى أضم صوتى إلى صوت علاء، وأحمّل القوات المسلحة كامل المسؤولية عن أرواح الشهداء. كما أننى أكرر رفضى، ليس فقط لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، بل إننى أرفض الحكم العسكرى من جذوره.
يسقط يسقط حكم العسكر.. إحنا الشعب الخط الأحمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق