أحد الضحايا في مستشفي قصر العيني تصوير: لبنى طارق
ولاء الحدينى
صرخات مدوية فى أرجاء مستشفى قصر العينى، الأطباء حائرون، أهالى بعض المصابين يقتحمون الاستقبال ويصرخون فى وجه الجميع، جرحى ينزفون وملقون على الأرصفة بعدما هربوا منه خوفا من تسليمهم للأمن كما تخيلوا، أعداد القتلى والجرحى تتزايد بمعدل 4 فى الساعة، بحسب مدير المستشفى الذى قرر فتح 3 غرف عمليات إضافية.
«الشروق» مضت يوما مع مصابى التحرير بمستشفى قصر العينى، رصدت خلاله مأساتهم والأسباب التى دفعتهم للتوجه إلى الميدان وخوض المواجهات، التى اندلعت بين المتظاهرين وقوات الأمن وانتهت بهم على سرائر المستشفى.
«إنتى بتقولى إنى فقدت عينى لأ حراااام عليكى إنتى عارفة ده معناه إيه إن صاحب التاكسى إللى بشتغل عليه حياخده منى والرخصة تتسحب، حصرف على أهلى الغلابة منين»، هكذا تحدث محمود إبراهيم محمد، 27 عاما، المصاب بطلق نارى فى عينه اليسرى، إلى والدته عندما سمع همسها قائلة «إنه فقد عينه بالفعل».
يعمل محمود سائق تاكسى ويقيم فى ضواحى الجيزة، ومتزوج ويعول ثلاثة أطفال ويعيش فى شقة بالإيجار الذى تأخر عليه ولم يدفعه منذ شهرين.
روى محمود أحداث اليوم الذى أصيب فيه وهو ينظر لجميع الأفراد المحيطين به بعين واحدة ويبدو على وجهه علامات التعجب قائلا «توجهت إلى ميدان التحرير فى الساعة التاسعة من مساء الاثنين بعدما تعرضت لمحاولة سرقة واعتداء من البلطجية أمام أحد أقسام الشرطة فى الساعة الثامنة من نفس اليوم فتوجهت لتحرير محضر فوجئت بمعاملة سيئة من الضابط، وتعامل معى بأسلوب به نوع من السخرية، وعدت إلى منزلى وتلقيت مكالمة هاتفية من أحد أصدقائى قال لى «منتظر ينك فى الميدان».
وعندما ذهبت إلى «التحرير» وجدتهم يرددون الأناشيد والهتافات فشاركتهم، ولم تمر سوى لحظات قليلة إلا وكانت رائحة الغاز المسيل للدموع تتسلل إلى صدورنا، فتركت الميدان وتوجهت إلى شارع الجامعة الأمريكية.
وتابع «رأيت مجموعة من جنود الأمن المركزى يسحلون فتاة على الأرض، وقتها فقط فقدت صوابى وانهلت ضربا على ظهر أحدهم، وهو ما أثار غضب الثانى وأطلق رصاصا مطاطيا نحوى.
وقال محمود «فقدت عينى اليسرى ومصدر دخلى الذى لا يكفى احتياجات أسرتى بعد ما فقدت الأمل فى العمل سائقا لتاكسى بسبب إصابتى.. فما هو مصيرى؟
فى الوقت الذى لم يستكمل فيه محمود حديثه، تحول قسم العيون بالمستشفى إلى ساحة تجمهر للأطباء بعدما دخل مصاب آخر فى حالة صراخ وعويل هيستيرى، مرددا «فقدت بصرى، فقدت بصرى، اتركونى أعود للميدان لأنتقم من الذين سرقوه».
هكذا عبر أمير أحمد السيد، 26 عاما، المصاب بطلق نارى فى عينه وساقه اليسرى، أمير يتجول فى الشوارع حاملا حقيبة ملابس، يصعد سلالم المصالح الحكومية عشرات المرات يوميا ليبيع قطعة يكسب من ورائها بعض الجنيهات.
ويضيف: نظرت خلفى لمعرفة الجهة التى تطلق الرصاص، فأصبت فى عينى برصاصة مطاط، وسحلونى على الأرض علشان ياخدونى لكن المتظاهرين دافعوا عنى وأخذونى من بينهم.
«وليد، وليد ،لا أنا مش وليد أنا أيمن، فيه إيه يا أمير إيه إلى حصل لك انت نسيت أسماءنا» حديث جرى بين أمير وأخيه الأكبر، هكذا يقول أيمن الأخ الأكبر للمصاب أمير، إن المثير فى الأمر أن أمير نسى أسماء أهله وحدث له أمر غريب وأصبح ينطق بعبارات غير مفهومة وسنعرضه على طبيب مخ وأعصاب.
أما فى غرفة الجراحة فكان هناك أحمد محمد صالح، 20 عاما، المقيم بشارع بورسعيد بالسيدة زينب بين الحياة والموت. يلتقط أحمد أنفاسه الأخيرة تحت جهاز التنفس الصناعى، بعدما أصيب بطلق نارى فى العمود الفقرى تسبب فى شلل رباعى ويعانى من اضطرابات فى عضلة القلب، ومتغيب عن الوعى تماما، دون أن يعلم أهله عنه شيئا انتظارا لأن يتحول ملفه إلى مديرية الشئون الاجتماعية للتعرف عليه بعد أيام وقد تصل إلى أسابيع ومن المحتمل شهور، فضلا عن أحد المصابين مجهولى الهوية الذى كان راقدا بجواره.
التقت «الشروق» أيضا بطارق محمد، 33 عاما، عامل ديكور ومصاب بطلق نارى فى بطنه حيث طلب من الطبيبة المعالجة أن تذكر اليوم الذى دخل فيه المستشفى لأنه لا يتذكر شيئا سوى ما حدث له قبل إطلاق الرصاص عليه، قائلا «أنا نزلت التحرير علشان ظروف المعيشة سيئة للغاية، لم أتقاض أجرا يساعدنى على مواجهة قسوة الحياة أنا وزوجتى وأولادى».
طارق سرد تفاصيل لحظات ما قبل إصابته «قوات الأمن المركزى طعنت بعض المتظاهرين بالخناجر فى شارع محمد محمود بالقرب من وزارة الداخلية، فهجمنا عليهم عند مبنى الوزارة كرد فعل على مافعلوه، لكنهم أطلقوا علينا الرصاص بشكل عشوائى، وقام متظاهرون بنقلنا إلى مستشفى التحرير الميدانى، فلاحقونا وقاموا باقتحام المركز الطبى وهدمه.
أما ماجد هشام عبدالجواد، بالصف الثانى الثانوى، ولاعب كونغ فو مصاب بقطع شريان البطن وتجرى له الآن عملية جراحية، كان مرشحا من قبل الجيش لتمثيله فى عدة بطولات منذ عام لكنه اليوم أصبح ضحية رجال الأمن المركزى، يرقد بمستشفى قصر العينى متأثرا بجراحه.
الغريب فى الأمر أن والد المصاب اتهم إدارة المستشفى بمحاولة تزييف الحقائق عبر تغيير سبب الإصابة من طلق نارى إلى طعن فى البطن دون إبداء مبررات، وهو ماجعلنا نتصدى لتلك المحاولات.
ماجد حمل «الشروق» رسالة وهو يتحدث بصعوبة متأثرا بإصابته مضمونها «عايز حقى عايز مبارك ونظامه ينعدموا أمامى فى الميدان».
وفى سياق متصل أعلن نائب مدير مستشفى قصر العينى د.محمد شهاب الدين أن عدد الحالات التى وصلت المستشفى حتى أمس، 108مصابين و11شهيدا، لافتا إلى غرابة إصابات أيام الأحد والثلاثاء والأربعاء لأنها جميعا من مسافات قريبة وطعنات فى البطن، موضحا أن المستشفى فتح غرف عمليات إضافية تم تدعيمها بطواقم طبية وصل عددها إلى 9 غرف جراحة و2 مخ وأعصاب و2 رمد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق